قبل 2011، كانت جميع أنواع فنون الشارع في حكم الملغاة في تونس، وهو ما يتجلّى في غيابها ضمن الأنشطة التي تشرف على تنظيمها وزارة الثقافة. لكنّ اعتماد هذه التعبيرات في فترة الاحتجاجات أمدّها بمشروعية، حتّى اعتُبر فن الغرافيتي، مثلاً، أحد أصدق مرايا الثورة، ومن ثمّ ظهرت أشكال أخرى أبرزها مسرح الشارع، وبرزت لأوّل مرّة مجموعات وفرق مختصّة في هذا الشكل الإبداعي تحديداً.
لم يكن من الممكن أن تظلّ وزارة الثقافة بعيدة عن هذا المدّ، وهو ما تجلّى في تبنّيها تظاهرات فنّ الشارع التي ظهرت بشكل عفوي في أوّل سنتين من سقوط حكم زين العابدين بن علي، ثم باتت فنون الشارع جزءاً من فقرات التظاهرات الثقافية التي ترعاها الوزارة.
من هذه التظاهرات "أيام قرطاج المسرحية"، وها إننا في دورة هذا العام ــ التي انطلقت أوّل من أمس السبت ــ نشهد حضوراً مكثّفاً لمسرح الشارع، وهو ما يمثّل شكلاً من أشكال الاعتراف به، بل يمكن القول إن في ذلك دليلاً على اندماج فنون الشارع ضمن "دورة الإنتاج الثقافي" التي ترعاها الدولة بشكل مباشر.
كان العرض الأوّل، الذي قُدّم خلال التظاهرة في الشارع الرئيسي لتونس العاصمة السبت، مسرحية "الداموس"، وهي عمل من إنتاج "جمعية القطار لمسرح الشارع" يأخذ موقعاً من البرنامج لم تحظَ به مسرحيات الشارع من قبل، حيث كانت تُعرض ضمن فقرات هامشية.
أمس، جرى تنظيم عرضين آخرين ضمن مسرح الشارع؛ الأوّل بعنوان "أطفال الشوارع" لنبيه دلاعي، والثاني مسرحية بعنوان "هستيريا الجفاف" لمحمد نبيل زايدي، ومن الملاحظ أن العرضين قد صيغا مباشرة للتقديم في الشارع، على عكس عروض أخرى كتبت للخشبة وجرى تطويعها للعرض في الفضاء العمومي. كما تجدر الإشارة إلى أن عروض مسرح الشارع في تونس باتت تنفتح بالتدريج على طيف واسع من الثيمات، بعد أن كانت الرؤية الاحتجاجية طاغية عليها.