"لا يوجد جزءٌ مِن العالم لا يُخفي تاريخُه، في مكان ما، بُعداً أفريقيّاً"... مقولةٌ للمفكِّر الكاميروني أشيل مبيمبي تعني أنّ الثقافة الأفريقية تتجاوز حدود دُوَل القارّة، لتُشكّل مشروعاً عابراً للحدود، بفضل أبنائها المنتشِرين في جهات الأرض الأربعة. ولعلّنا نجد ترجمةً لهذه المقولة في "مهرجان الكِتاب الأفريقي" الذي تحتضنُ مدينة مرّاكش دورتَه الأُولى بين التاسع والثاني عشر من شباط/ فبراير الجاري تحت شعار "أفريقيا بكلّ الحروف".
تقوم فكرة المهرجان، الذي تُنظّمه جمعية "نحن فنّ أفريقيا" في "المركز الثقافي نجوم جامع الفنا"، على جمْع كتّابٍ أفارقة مِن بلدان مختلفة للحديث عن كتاباتهم وقضاياهم مِن داخل القارّة الأفريقية نفسها؛ حيث يحضر في الدورة الأُولى قرابة أربعين كاتباً بلغات مختلفة، يشاركون في فعاليات التظاهُرة التي تتوزّع بين الموائد المستديرة والندوات والنقاشات والورشات والقراءات الأدبية.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول يونس أجرّاي، المفوّضُ العام للمهرجان، إنّ التظاهُرة تنطلق من ملاحظةٍ مفادُها أنّ الكتّاب، والمُبدعين الأفارقة بشكل عامّ، نادراً ما يلتقون في قارّتهم؛ إذ غالباً ما يلتقون في بلدان أوروبية وفي الولايات المتّحدة، مُعتبراً أنّ "هذه الوضعية تُمثّل، بشكل أو بآخر، شكلاً من أشكال الوصاية على القارّة بعد أكثر من ستّين سنةً على استقلالات بلدانها". مِن هنا، يُوضّح المتحدّث أنّ القائمين على المهرجان يُريدون منه أن يكون "فضاءً للتفكير باستقلالية، وللحديث عن أفريقيا مِن أفريقيا نفسها، مع الانفتاح على العالَم بالتأكيد".
بدأ العالَم مؤخّراً في الاعتراف بما يكتبه الأفارقة
يقول أجرّاي إنّ فكرةَ تأسيس مهرجان خاصّ بالكِتاب الأفريقي بدأَت حين شغل منصب مدير فنّي لاحتفالية "مرّاكش عاصمة للثقافة الأفريقية" عام 2020، ولقيَت ترحيباً كبيراً، ثمّ جرى الاشتغال عليها، وتمثّل هدفُها في أنْ "تُسلّط الضوء على ديناميكية الآداب الأفريقية وغناها من جهة، وتُقدّم البُعدَ الثقافي والجمالي للمدينة، بعيداً على الاحتفالية والموسمية من جهة ثانية".
يلفت المتحدّث إلى أنّ الآداب الأفريقية ليست آداباً جديدة، مُشيراً إلى أنّ عدداً غير قليل من الكتّاب الأفارقة كانوا زعماء بارزين في النضال من أجل الحرية والاستقلال، مُضيفاً، في حديثه إلى "العربي الجديد": "ثمّة انطباعٌ بأنّ العالَم بدأ بالتعرُّف إلى الآداب الأفريقية حديثاً. وهذا غير صحيح؛ لأنّ آداب القارّة معروفةٌ جدّاً. الأصحّ أنّ العالَم بدأ بالاعتراف بالآداب الأفريقية؛ كما حدث في 2021، التي كانت سنةً استثنائية لها؛ حيثُ فاز كتّاب أفارقة بجوائز أدبية بارزة؛ مثل نوبل وغونكور". وفي مُقابل هذا الانتشار عالمياً، يُشير أجرّاي إلى أنّ ما يُكتب داخل القارّة لا يحظى بالاهتمام نفسه فيها: "للآداب الأفريقية صدىً عند العالم، وليس عند الأفارقة، لأنّنا لا نقرأ آدابنا".
تركّز الدورةُ الجديدة على الآداب المكتوبة بالعربية والفرنسية والإنكليزية؛ وهو خيارٌ يبرّره المتحدّث بهيمنة هذه اللغات، مُضيفاً أنّ الدورات المقبلة ستشهد حضور كتّاب أفارقة بلغات أُخرى؛ مثل البرتغالية، بالإضافة إلى كتّاب باللغات المحلّية الأفريقية.
يتضمّن اليوم الأوّل أربع ندوات؛ تحمل الأُولى عنوان "في أصول العنصرية"، وفيها يتحدّث كلٌّ مِن: ليليان تورام، وباسكال بلانشار. وتتناول الثانية موضوع "الآداب الأفريقية والنضال من أجل الحرية"، ويتحدّث فيها: عبد العزيز بركة ساكن، وعبد الرحمن وابري، وكين بوغول، وبلاز نادالا. أمّا الندوة الثالثة فتحمل عنوان "ما بعد الاستعمار، إنهاء الاستعمار والهجرات"، ويتحدّث فيها: أشيل مبيمبي، وباسكال بلانشار، وجنيفر ريشارد، وعلي بن مخلوف، وياسمين الشامي. ويطرح جان ماري غوستاف لو كليزيو، في الندوة الرابعة، سؤال: "ماذا يستطيع الأدب أن يفعل في مواجهة اضطرابات العالم؟". وتُقدَّم، في اليوم الأوّل أيضاً، قراءاتٌ لنصوص أفريقية كلاسيكية، كما يُفتتَح معرضٌ للتشكيلي المغربي محمد المرابطي بعنوان "بلا حدود: مركز الأكوان".
ويشهد اليوم الثاني إقامة أربع ندوات أيضاً؛ هي: "صدى أفريقيا/ منطقة البحر الكاريبي"، بمشاركة ماكنزي أورسيل، وكين باغول، وأناندا ديفي، ورودني سانت-إلوا، و"صدى شمال أفريقيا/ أفريقيا جنوب الصحراء"، بمشاركة منصورة عز الدين، وواسيني الأعرج، وعبد الرحمن وابري، وجايلي آمال أمادو، و"إرث التاريخ: إعادة النظر في العبودية"، بمشاركة: شوقي الهامل، وأشيل مبيبي، وعبد العزيز بركة ساكن، وعصمان تراوري. و"التحرُّر بصيغة المؤنّث"، بمشاركة: فوزية الزواري وكين بوغول. ويُختَتم اليوم بقراءات شعرية تحت عنوان "ليلة الشعر"، يشارك فيها كلٌّ مِن: تانيلا بوني، ومحمّد بنيس، ورودني سانت- إلوا. ويرافق القراءات عزفٌ لعبد الرحيم سهير.
للآداب الأفريقية صدىً عند العالم، وليس عند الأفارقة
أمّا اليوم الثالث، فيتضمّن خمس ندوات؛ هي: الأدب العالمي أم عولمة الأدب؟"، بمشاركة سامي تشاك، وعبد الرحمان وباري، وفؤاد العروي، وبلاز نادالا، ورودني سانت- إلوا، و"ثقافة إنهاء الاستعمار: تحدّيات وآفاق لأفريقيا"، بمشاركة عبدولاي كوناتي، ونو بارّيتو، وبارثيليمي طوغويو، ومحمّد بنيس، وأشيل مبيبي، وماحي بينبين، و"الأدب كعمل فكري بيئي"، بمشاركة: آني لولو، ومحمّد الأشعري، ويامن المناعي، وياسمين الشامي، و"قولُ العالم: سلطة الشعر"، بمشاركة: محمد بنّيس، وتانيلا بوني، ومحمد الأشعري، ورودني سانت- إلوا، و"أفريقيا الأمس، أفريقيا الغد"، بمشاركة: أشيل مبيبي، وشوقي الهامل. كما يقدّم كلٌّ من ياسين عدنان، وماكنزي أورسيل، وإرنيس، ومحمد الأشعري قراءات شعرية ضمن فقرة "ليلة الشعر".
وفي اليوم الرابع والأخير، يتحدّث كلٌّ من إرنيس، وإلغاس، وآني لولو، ويامن المناعي في ندوة بعنوان "أصوات جديدة، أقلام جديدة"، وفوزية الزواري، وجايلي آمال أمادو، وياسمين شامي، وأناندا ديفي في ندوة "وجوه نسوية في الآداب الأفريقية". وتحت عنوان "مستقبل الذكرات: الكتابة في الشتات"، يتحدّث كلٌّ من: بلاز نادالا، وليلى باحساين، وإلغاس، وأميناتا باغني، ومبروك راشدي، بينما يُقدّم فؤاد العروي وسامي تشاك ندوةً بعنوان: "وجهات نظر حول آداب شمال وجنوب القارّة". ويتضمّن اليوم، أيضاً، قراءات لنصوص أفريقية كلاسيكية.