عقد "مركز كتارا للدبلوماسية العامة"، صباح اليوم الإثنين، في الدوحة، محاضرةً بعنوان "القوّة الناعمة"، ألقاها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، متناولاً هذا المصطلح الحديث في الدبلوماسية، من خلال عدّة نماذج دوليّة، أبرزها قطر.
وذكر قبلان، في مستهلّ الندوة، أن مصطلح "القوّة الناعمة" استخدمه الباحث الأميركي جوزيف ناي في تسعينيات القرن الماضي في كتابه "وثبة نحو القيادة"، وأصبح شائعاً بعد عام 2004، وهو العام الذي وضع فيه ناي كتابه "القوّة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية".
وفي حديثه عن نموذج قطر، قال المُحاضِر إنها تمكّنت خلال السنوات القليلة الماضية من تحقيق سلسلة نجاحات في مجال الدبلوماسية العامة، أبرزها "التنظيم الناجح والباهر في بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، وتحوّلها إلى مركز إعلامي وثقافي وحضاري، إقليمي ودولي".
وأشار كذلك إلى نجاح قطر في الوساطة وتسوية النزاعات الدولية التي تولّتها على مدى أكثر من عقدين، بما ساهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، إلى جانب إنجازاتها اللافتة في مجالات القوّة الناعمة، مثل التعليم والمساعدات الإنمائية والإغاثية التي تُقدِّمها على نطاق واسع للعديد من الدول في العالم.
وتناول قبلان استخدامات القوّة الناعمة لقطر وأهدافها على الصعيد الخارجي، من خلال إيجاد بيئة مساندة لسياسات الدولة وتوجّهاتها في دولٍ أخرى، إلى جانب خلق بيئة في الدول الأُخرى عبر الترويج للمنتجات الثقافية وتقديم صورة جذّابة، بالإضافة إلى عملها على زيادة التسويق لمنتجاتها.
وأضاف أن القوة الناعمة، على الصعيد الداخلي، يمكن أن تساعد الدولة على تسهيل تدفّق الاستثمارات الخارجية المباشرة اليها، وجذب المزيد من السياح ورجال الأعمال والارتقاء بقطاعي السياحة والأعمال، إلى جانب جذب المزيد من الباحثين والطلّاب والمهتمّين، والاستفادة منهم لكي يكونوا بمثابة سفراء لها ولثقافتها في بلدانهم الأصليّة.
ثم استعرض صاحب كتاب "سياسة قطر الخارجية" مصادرَ القوّة الناعمة التي تتمثّل في الثقافة، سواء تلك التي تخصّ الأدب والفن والتعليم وتؤثر في النُخَب، أو الثقافة الشعبية التي تركّز على الجمهور، إلى جانب القيَم السياسية التي تؤثر على خيارات الآخرين، مبيناً أن السياسة الخارجية، عندما تمتلك سلطة معنوية أخلاقية وتأخذ بعين الاعتبار مصالح الاخرين، تُصبح مصدراً من المصادر الأساسية في توليد وتطوير القوّة الناعمة، على حدّ تعبيره.
وبيّن المحاضر أن أدوات القوّة الناعمة الثقافية تجسّدها برامج التبادل الثقافي وبرامج تعليم اللغة والمِنَح الطلّابية، واستحداث المعاهد الثقافية في الخارج، وتعزيز التواصل مع دول العالم عبر إنشاء وسائل إعلام بعدّة لغات لضمان التفاعل مع الآخر المهتمّ بالبلد المعنيّ، ونشر الكتب، وإرسال بعثات المعلّمين والأطباء والمهندسين وكل ما من شأنه التعبير عن ثقافة البلد، فضلاً عن الإنتاج الإعلامي الاحترافي، والفنّي ممثلاً بالأفلام والمسلسلات.
وذهب قبلان إلى القيم السياسية في القوّة الناعمة، قائلاً إنها تتمثّل في تعزيز مبادئ الحرّية والعدالة والقانون ومفاهيم الديمقراطية والتعدّدية والحوار وتشجيع ثقافة السلام ودعم حقوق الإنسان والقيم الإنسانية العُليا.
أمّا خارجياً، فأشار إلى أن أدوات السياسة الخارجية تشمل تقوية المؤسّسات الدبلوماسية في الخارج، وطرح المبادرات الدولية تجاه الدول الأخرى والتي تستهدف تحسين العلاقات الثنائية مع كافة البلدان، إقليمياً ودولياً، على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، و طرح المبادرات التي تستهدف إحلال السلام أو الوساطة أو حل النزاع، وتفعيل الدبلوماسية الشعبية وكل ما يدور في فلكها، والدفاع عن القضايا العادلة والمحقّة وعن القضايا الإنسانية في الخارج، والانضمام ما أمكن إلى التجمّعات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك بين الدول.
ثم انتقل إلى استعراض الأدوات الاقتصادية في القوّة الناعمة، كالانفتاح على التبادل التجاري وتمكين المصالح المشتركة، والمساعدات الاقتصادية والتنموية غير المشروطة في المجمل، والقروض الميسّرة وطويلة الأجل والهِبات والإعفاءات والامتيازات، والتدفّقات الاستثمارية والممارسات التجارية الدولية.
أمّا في الجانب العسكري، فتتّضح القوّة الناعمة، وفقاً للمتحدّث، في المشاركة بفعالية في قوّات حفظ السلام، والمشاركة في عمليات إنقاذ واسعة أو كوارث، والفصل بين أطراف متنازعة بما يساعد على حلّ النزاع بينها، وتفعيل برامج تبادل عسكرية لزيادة الثقة، وتقديم مساعدات عسكرية للدول الأضعف بما يساعدها على حماية نفسها.