شهد النصف الثاني من القرن العشرين محاولاتٍ إحيائية عديدة على المستوى الفني في العالَم العربي؛ وقد استُدمجت هذه المحاولات في أُطر أكاديمية جديدة، راحت تتشكّل ضمن سياق التعليم الوطني الناشئ، وذلك خلال مرحلتَي: ما قبل الاستقلال وما بعده.
ولو أردنا الحديث عن تمثيل هذه الفكرة في حالة المغرب، يبرز لدينا اسم "المدرسة العليا للفنون الجميلة" في الدار البيضاء، والتي يعود تأسيسها إلى عام 1919، حيث رسّخت تراثاً من تدريس الفنون والاشتغال فيها لأكثر من مئة عام، وقد تنامى هذا التراث بعد استقلال البلاد عام 1956.
عند السادسة من مساء اليوم الإثنين، تنتظمُ في فضاء Artscoops ببيروت حواريةٌ بعنوان "مدرسة الدار البيضاء"، وتقدّمها القيّمة الفنية اللبنانية فاديا عنتر، بهدف الإضاءة على أبرز الأدوار التي لعبتها هذه المؤسسة العِلمية في تأطير الفنون التقليدية والشعبية. حيث تعود عنتر في محاضرتها إلى عام 1962، وهو تاريخ تولّي أحد روّاد الحداثة في المُحترَف المغربي، التشكيلي فريد بلكاهية (1934 ـ 2014)، رئاسة مجلس إدارة "المدرسة العليا"، بالتعاون مع مجموعة من الفنّانين والأساتذة، منهم محمد المليحي (1936 ـ 2020)، ومحمد شبعة (1935 ــ 2013)، ومحمد حميدي (1941).
وسعى هؤلاء الروّاد إلى إعادة هيكلة مؤسّسة تدريس الفنّ، وإحياء التراث الشعبي والتقليدي في المغرب من خلال دمج الحِرف اليدوية في برامج المؤسّسة الأكاديمية، التي تعتمد على أدوات وأساليب التعليم الحديث. كما رمت هذه الحركة إلى تنمية شكلٍ من الحداثة الفنّية والثقافية الخاصة بالبلاد، بعيداً عن موروثات المرحلة الاستعمارية.
وتُحاول المُحاضِرة رصد ومعاينة الخطوط العامة التي تميّزت بها هذه الحركة خلال العقد الأول من استلام بلكاهية لإدارة المدرسة بين عامَي 1962 و1971، وأثر ذلك على المشهد الفني سواء عند المحترِفين منهم أو الطلاب، وقابليتهم للانخراط في التجريب وإنتاج سردية جديدة والمعارض العامة. بالإضافة إلى ذلك، تتساءل عنتر عمّا تركه هذا الإرث في الفنّ المغربي اليوم.