في أوائل القرن الماضي، ظهر طراز معماري في هولندا يعتمد رؤية متكاملة للبناء، من الداخل والخارج، من خلال واجهات مزخرفة، والمزج بين الطوب والحجر، واستخدام الزجاج والحديد كجزء أساسي من التصميم المعماري، وأُطلق على هذا الأسلوب "مدرسة أمستردام".
انتشر هذا الطراز في المجمعات السكانية الخاصّة بالعمّال في البلاد، نتيجة انعكاس التوجّهات الاشتراكية لدى عدد من روّاد المدرسة، من أمثال إدوارد كُويبرس، وميشيل دي كليرك، ويوهان فان دير مي، وبيت كرامر، حتى تراجع أسلوبهم المعماري في الثلاثينيات.
"إندونيسيا ومدرسة أمستردام" عنوان المعرض الذي افتُتح في "متحف هت شيب" بالعاصمة الهولندية في بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ويتواصل حتى السابع والعشرين من آب/ أغسطس المقبل، ويضمّ مجموعة من القطع والتصميمات يعود تاريخها إلى النصف الأوّل من القرن العشرين.
يضيء المنظّمون العديد من الأمثلة التي توضّح التأثيرات الثقافية والروحية في إندونيسيا على تصميمات المعماريين الهولنديين خلال تلك الفترة، حيث عاش البلد الآسيوي تحت الاستعمار الهولندي منذ بداية القرن السابع عشر حتى استقلاله عام 1945.
كان هذا التأثير جزءاً من رؤى متعدّدة مارسها روّاد "مدرسة أمستردام" الذين شكّل التعبير الفردي مساحة واسعة في أعمالهم التي برزت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث سافر بعضهم في رحلات استكشافية إلى الجزر الإندونيسية استمرّت لأشهر عدّة، بحسب بيان المنظّمين.
لكنْ يغيب عن المعرض التعامل مع هذه الرحلات بوصفها نتاجاً استعمارياً، رغم إظهار التعاطف مع الشعب الإندونيسي وثقافته، حيث استعار المعماريون أنماطاً من الزخارف التي رأوها في المساحد والمعابد الإندونسية، وكذلك البناء العمودي بما بشبه الأبراج والأسقف الحديدية المموّجة، إلى جانب تأثُّرهم بالعمارة اليابانية، وكذلك المباني التي ظهرت في بعض الولايات الأميركية.
كما تركت الحِرَف اليدوية والفنون الشعبية في إندونيسيا أثراً عميقاً على الفنانين والمهندسين المعماريين الهولنديين، حيث قاموا بدمج الأشكال والأفكار والتقنيات الشرق آسيوية في أعمالهم، ومنها الباتيك، وهي طريقة تقليدية في صباغة الأقمشة القطنية بتصميمات ملوّنة.
وتُبيّن المعروضات أيضاً الدور الذي لعبه الإندونيسيون أنفسهُم في تبنّي الطُرُز المعمارية لدى "مدرسة أمسترادم"، والنحو الذي رأوا وأدركوا من خلاله تأثير ثقافتهم عليها.