محمد صالح خليل.. المجزرة لا تزال مستمرّة

24 ابريل 2024
من المعرض
+ الخط -
اظهر الملخص
- في معرض "بثّ حيّ" بالمتحف الفلسطيني، يستكشف محمد صالح خليل الألم والمعاناة في غزة عبر الفن، معبرًا عن الإبادة دون استخدام الزينة أو الاستعارات.
- خلال أربعة عقود، طور خليل أسلوبه في البورتريه ليعكس التحولات السياسية والاجتماعية والعلاقات الإنسانية، مستخدمًا الجسد الإنساني كوسيلة للتعبير.
- المعرض يقدم لوحات توثق العنف والدمار في فلسطين، من الانتفاضة الأولى إلى الحروب على غزة، مؤكدًا على الفن كوسيلة للتوثيق والتعبير عن الصراع المستمر.

في معرضه الأخير"بورتريه" الذي أقيم العام الماضي، قدّم محمد صالح خليل الجسد الإنساني الذي طالما شكّل موضوعاً أساسياً لديه في معارض سبقة، في محاولة لتصوير حالة الألم التي ترتبط بالأحداث التي عاشتها المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، دون تحديد الجغرافيا التي شهدتها.

خلال ما يقارب أربعة عقود، سعى الفنان التشكيلي الفلسطيني (1960) إلى تطوير تعامله مع البورتريه، سواء من ناحية التقنيات والمعالجة الفنية، أو في ما يخصّ الأسلوبية والمضمون؛ حيث تتنوّع المواضيع التي يطرحها، لكنها تعبّر غالباً عن العلاقة بين الرجل والمرأة وكيفية الاستجابة مع التحولات السياسية والاجتماعية.

"بثّ حيّ" عنوان معرضه الجديد الذي يُفتتح عند الرابعة من عصر الإثنين المقبل في "المتحف الفلسطيني" ببيرزيت ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر المقبل، وهو عنوان يشير إلى الإبادة التي يرتكبها العدو الصهيوني منذ أكثر من مئتي يوم في غزّة، وتبثها مباشرة وسائل الإعلام حول العالم.

ينقل المعرض الواقع كما هو عارياً من الإضافات ومجرّداً من الزينة

ويظهر في لوحة " الألم" (2020)، التي نفّذها الفنان بمادة الأكريليك على القماش وتضمّنها ملصق المعرض، إنسان يتلوّى على الأرض في وضع يبيّن أوجاعه، سواء في ما يتعلّق بحركات جسده أو بتعابير وجهه الذي ينقبض ناظراً إلى السماء.

يشير بيان المنظّمين إلى أنّ "المجرزة ليست في غزّة فعلاً ماضياً نقرأ عنه في الكتب والأرشيفات، بل فعلاً مضارعاً مستمرّاً، نراقب حدوثه أمام أعيننا، ونسمع صوته العالي عبر الأثير، ونرى أثره في وجوه الناس، وفي لفتاتهم، وصمتهم، وانطفاء أعينهم. وفي الليل، عندما ينام العالم، ونضع رأسنا فوق الوسادة، تصحو المجزرة في مخيّلتنا، وتصرخ في منامنا".

ويضيف "كجغرافيا، كان الفصل بين الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والداخل المحتلّ يتبدّد في المظاهرات، التي أخذت تختفي من الشارع شيئاً فشيئاً، مع صوت الهتاف الذي كان يتردّد عالياً، استجداءً مرّةً وتنديداً مرّةً أُخرى، وما زلنا نتذكّر كيف كانت المجزرة هناك تعني غضباً هنا، والمجزرة هنا تعني غضباً هناك".

ويوضّح البيان بأنّ المجزرة المستمرّة وغير المسبوقة تفرض تساؤلات حقيقيّة: ماذا يفعل من يشاهد المجزرة عبر التلفاز؟ ماذا يفعل من لو اختفى ضجيج العالم من حوله وأطرق السمع، لكان سمع صوت الإبادة واستغاثة الناس مباشرة عن بُعد كيلومترات؟ كيف نقرأ هذا الدم السائل من كلّ مكان فينا؟ من نحن بعد هذا الجرح الغائر؟ كيف تصبح المجزرة طعامنا وشرابنا وسُعالنا وفِراشنا دون أن نكون قادرين على لجمها وتكميمها؟ كيف دخلت في تكويننا حتّى صارت رؤانا وموضوعنا الأوحد؟ كم مرّة ستتكرّر عبر هذه الجغرافيا الضيّقة لتكون كافية؟ ومتى سنقول، شعباً واحداً، إنّها ستكون المجزرة الأخيرة؟

ويلفت البيان إلى أن محمّد صالح خليل لا يجيب عن هذه التساؤلات، ولا يقترب من الإجابة عليها، إنّما يختار اقتراحاً آخر: أن ينقل لنا الواقع كما هو، عارياً من الإضافات، ومجرّداً من الزينة، واقعاً واقعيّاً لا يجترح استعارات، ولا يلتفّ على الحقيقة بالمجاز، واقعاً يخرج من الشاشة إلى اللّوحة بمباشرة في بثّ حيّ، وصدق غير متكلّف، لأنّ الإبادة أكثر وضوحاً من أن تحتاج إلى استعارة، وهي أكبر من اللّغة وأبعد من الخيال.

بهذا المعنى، تكون المجزرة مستمرّة في فلسطين منذ عقود، عبر "لوحات يمكننا تذييلها بأيّ تاريخ نريده: قبل عشرة أعوام من الآن، قبل عشرين، خمسين، خمسة وسبعين، أو أيّ عنوان نختاره: الانتفاضة الأولى، الانتفاضة الثانية، الحرب على مخيّم جنين، إحدى الحروب على غزّة، أو حتّى حرب الإبادة الدائرة اليوم".

المساهمون