محمد صابة.. الجدل الفلسفي وحركة التأليف في الاندلس

08 مايو 2023
من المحاضرة
+ الخط -

شهدت الأندلس ما بين القرنين الرابع والسادس الهجريين، العاشر والثاني عشر الميلاديين، جدلاً فقهياً وكلامياً فلسفياً قلّ نظيره في الحضارات الأخرى، أثّر بدوره على مسار حركة التأليف في البلاد التي حكمها المسلمون ثمانية قرون.

هذه القرون الثلاثة كانت مجال قراءة أستاذ التاريخ الإسلامي والباحث محمد صابة في السيمنار العلمي الذي نظّمه "مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية" بالدوحة مساء أول أمس السبت. وأدار اللقاء مدير المركز محمد همام فكري.

وقال المحاضِر إن التطوّر الفكري وفهم تعاليم الاسلام، والاستفادة من النتاج الفكري في الحضارات الأخرى، وتشجيع سلطة دويلات الطوائف للحركة العلمية، ترك أثراً واضحاً في هذا المجال، ويبقى أهل السُنة والجماعة أكثر الفرق، تأثيراً في جانبه الفقهي والكلامي والفلسفي، حيث مثّلت مالكية الأندلس السواد الغالب، وأضحوا نقطة ارتكاز في دائرة هذا الجدل، كما يبقى الاختلاف بين الفرق الإسلامية من أهم عوامل تنشيط الجدل الذي انعكس إيجاباً على حركة التأليف في الأندلس.

كانت ظاهرة الجدل الفلسفي من اختصاص العلماء والفقهاء الأكثر نباهة وذكاء

أمّا عن ظاهرة الجدل الفلسفي، فأشار صابة إلى أنها كانت من اختصاص العلماء والفقهاء، الأكثر نباهة وذكاء، فهو من أعقد أنواع الجدل، وتأكد ذلك من خلال المسائل والقضايا التي أثارها فلاسفة الأندلس خلال القرن السادس الهجري/ العاشر للميلادي، حيث تجاوز هذا النوع من الجدل المسائل وجذور الشريعة من فقه وعقيدة إلى ما هو أشمل في طرح مسائل الجدل الفلسفي للوصول إلى وفاق واتفاق، حتى لا يستمر التناقض والتناحر بين ما هو شرعي وما هو فلسفي، وكان لهذه الظاهرة أثرها الإيجابي في التراث الإسلامي.

وطرح صابة في محاضرته التساؤلات التالية: ما القصد بالجدل الفلسفي؟ وما أصول الفلسفة الأندلسية؟ وما موقف أهل الأندلس وعلماؤها منها؟ وما أهم عوامل تغييب وبعث الجدل الفلسفي في الأندلس؟ وما أهم المسائل الفلسفية التي أثارها الفلاسفة؟

أثار فلاسفة الأندلس العديد من القضايا الحساسة خلال القرن السادس الهجري/ العاشر للميلادي

ولأن الجدل الفلسفي يتداخل والجدل الكلامي، فوجب التمييز بينهما، وفق المحاضر الذي أوضح أن الجدل الفلسفي استعمال فن الجدل من أجل حل القضايا والمتناقضات الفلسفية، وهو نسق عقلي يُعتمد عليه في تفنيد الأفكار ومناقشتها بطريقة منطقية عقلية، بينما يُقصد بالجدل الكلامي مناقشة مسائل العقيدة، وهو ما ظهر في التاريخ الإسلامي باستخدام الجدل الكلامي في التأويل المعتزلي والأشعري.

وقسّم صابة الجدل الفكري في الأندلس إلى ثلاث مراحل فقهية، وكلامية، وفلسفية، وكان من مميزات هذا الجدل أن خلّف مؤلفات أضحت مرجعية فقهية، يُستأنسُ بها لإصدار بعض الفتاوى، كما أكّد جدل فقه الفروع على فشل الفقهاء في التعاطي مع جدل الأصول، ممّا يكشف حينها على طبيعة المستوى الاجتهادي عند هؤلاء الفقهاء، فانعكس ذلك سلباً على حركة الاجتهاد والتي كان من المفروض أن تساير حركة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية.

وخلص المحاضر إلى أن الجدل الفكري هو الأسلوب الوحيد القادر على تجاوز التناقضات العقائدية والتساؤلات الفلسفية، سواء كان ذلك، تناظراً فقهياً أو جدلاً كلامياً، أو ردّاً من خلال التأليف.

المساهمون