حول العلاقة الجدليّة التي تربط الثقافة بالصّورة، وعن هيمنة الأخيرة على تاريخ المعرفة ووسائلها في وقتنا الراهن، يصدر قريباً للباحث والأكاديمي الجزائري محمد شوقي الزّين (1972) كتابٌ جديد بعنوان "الثّقافة والصّورة: أشكال تأويليّة ومهام فكريّة"، في طبعة مشتركة عن دارَي "ابن النديم" و"الروافد الثقافية".
وإذ يُؤطّر الباحث تلك العلاقة ضمن صيغة التعاطف، فإنّه يدلّ في المقابل على إمكانيّة التبديل ما بين هذين الحدّين، الأمر الذي يؤسّس لبُعدٍ تفاعلي. فحيثُ تتقدّم الصّورة، أي صورة الثّقافة، يتحدّد المجال الذي تشتغل فيه تلك الثّقافة. وحيث تتقدّم الثقافة ونصبح أمام ترسيمة ثقافة الصّورة، فإننا نتكلّم بالتالي عن التطبيقات التاريخيّة لمفهوم الصورة في الفلسفة والفنّ والدين والأدب.
يتوزّع الكتاب على 14 فصلاً فرعيّاً، تنتظم في ثلاثة أقسام. يحمل القسم الأوّل عنوان "تأويلات ثقافيّة"، وفيه يتناول صاحب "نقد العقل الثقافي" التّشاكُل وأدواته بوصفه مدخلاً إلى المربّع الثقافي. ومفهوم المربّع الثقافي، كما يُلخّصُه الزّين، يقوم على أعمدة رئيسة هي: الثِّقاف بوصفه النّسغ والإمداد؛ ثم الثّقافة بما هي النّسخ والامتداد؛ والثَّقف بصفته الانتهاز والتّحيُّن، وأخيراً المثاقفة بوصفها التواصل والتّكتّل.
ويتطلّب هذا المربّع سقفاً يُطْبِق على ما فيه، وهنا تكمن مهمّة التأويل، وبمقابل ذلك السّقف تتموضع الصورة. ويُشكّل الامتداد الزمني من عصر الباروك مروراً بالنّهضة والأنوار، وصولاً إلى الفيلسوف الفرنسي ميشيل دو سارتو، خلفيّة تاريخيّة لهذا القسم.
بالانتقال إلى القسم الثاني، المُعنون بـ"فلسفات أيقونيّة"، نقف على مصطلح الأيقونولوجيا وحضوره عند كلّ من الفلاسفة الذين اعتنوا بالصّورة وفلسفتها مثل ويليم ميتشل وغادامير، والفوارق ما بين الصّورة الحسّية التي تتمثّل بالمعمار، والصورة الفكرية التي تتجسّد في اللغة.
كما يبرز سؤال الأسبقية بين مكوّن الثقافة الأساسي، أي اللّغة وعلاقته بالصّورة. وهذا يعود إلى عصور قديمة منذ رسومات الكهوف، وليس انتهاء بحركة التصوير والأيقونات، لكنْ مع تطوّر اللّغة اختفت الصّورة إلى حين، ثمّ عادت لتظهر بقوّة أكبر في الأزمنة المعاصرة من خلال التّطور التّقني المتمثّل بالسينما والإنترنت وليس انتهاء بعصر الميتافيرس، الذي يُبشَّر به اليوم.
يختم الزين كتابه بقسم أخير عنونَه بـ"تأويلات جزائريّة"، وفيه بدأ بتقديمات استوحاها من مظلّة الفكر الرّواقي كما تجلّت عند القدّيس أوغسطين، قبل أن يتوسّع مع مفكّرين جزائريين معاصرين مثل مالك بن نبي ومحمّد أركون وآخرين. يُشار إلى أنّ الزين استعادَ في كتابه هذا معجم المصطلحات (الثِّقاف، الثقف...) التي سبق له أن سكّها في اشتغالاته السّابقة مثل كتابه "الثّقاف في الأزمنة العجاف، فلسفة الثقافة في الغرب وعند العرب"، وكذلك يُلتمس اهتمامُه الفريد بالفيلسوف الفرنسي ميشيل دو سارتو.