يركّز الباحث المصري محمد راشد جمال، في جانب من دراساته، على التحدّيات التي تواجهها الآثار العربية من خلال قراءة أركيولوجية وعلمية شاملة تضعها في سياق تاريخي يعود إلى بدايات الاكتشافات الغربية منذ نحو قرنين، حيث تَعرّض العديد منها إلى السرقة والتدمير على يد المستعمر، كما يهتمّ بالأطر القانونية التي يمكن من خلالها استعادة التراث المنهوب.
"المتاحف المصرية.. قراءة في فلسفة نشأتها، تطوّرها، وتنوّعها" عنوان كتابه الذي صدر حديثاً عن دار "العربي للنشر والتوزيع"، ويناقش خلاله نشأة المتاحف في الحضارة المصرية القديمة، وإحياءها مجدداً في العصر الحديث، ويسعى إلى تصحيح بعض المعلومات المغلوطة المتعلّقة بتصنيفها وجوهر الاختلاف في ما بينها.
يقدّم المؤلّف قراءة في مُتحف الإسكندرية القديم، بوصفه أوّل مُتحف شُيّد ليقوم بالدور والغرض المعني به المتحف وفق مفهومنا الحديث منذ أكثر من ألفين وثلاثمئة عام، ما ينسحب على المعابد المصرية والقصور الملكية التي أدّتّ أدواراً متحفية تتمثّل بالاقتناء والحفظ والعرض لكلّ ما هو ثمين من الأعمال الفنية، وفي توثيق التراث الثقافي واستدامته عبر قرون طويلة من خلال الممارسات التي استمرت إقامتها في المناسبات الدينية والوطنية المختلفة.
يناقش الكتاب هيمنة الفرنسيين على إدارة مصلحة الآثار المصرية قرابة القرن
ويعيد أستاذ علم المتاحف والآثار تفسير سرّ الترابط الشديد بين المتاحف المصرية وعلم الآثار المصرية القديمة في العصر الحديث، ليضيء الأطماع الاستعمارية وأثرها في تشكيل هذه المتاحف وصياغة الثقافة المصرية؛ وهو ما يمكن التماسُه في المفهوم المصري المتوارث للمتحف، والذي يعكس التدخل الغربي في بلورته ومحاولة اختزاله في الصورة التقليدية للمُتحف.
في الفصل الأول، "المتحف وولادة الفكرة من رحم المعابد المصرية"، يتناول الباحث الصورة التاريخية لمصر كمتحف مفتوح، قديماً وحديثاً، انعكاسا للصورة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية على مصر، وتلك التي تصورها المتاحف المختلفة حول العالم من خلال مجموعات الآثار المصرية القديمة.
ويدرس الفصل الثاني، "نشأة المتاحف المصرية في العصر الحديث"، الأوضاع في مصر خلال القرن التاسع عشر اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وأثر التطوّرات الطارئة منذ الحملة الفرنسية، ثم تولّي محمد علي باشا تهيئةَ بيئةٍ لإقامة أوّل مُتحف للآثار المصرية القديمة في الأزبكية أسّسه رفاعة الطهطاوي، وحقيقة مساعي وخطط شامبليون كاشفاً مطامعه الحقيقية في الهيمنة على الآثار المصرية وليس الحفاظ عليها، وهي الأطماع التي توارثها الأوروبيون سواء عبر الحضور السياسي الذي لعبه القنصلان الفرنسي والإنكليزي، أو عودة الفرنسيين مرة أخرى عبر عالم الآثار أوغست مارييت وخلفائه في الهيمنة على إدارة مصلحة الآثار المصرية قرابة القرن.
"المتاحف المصرية تخاطب مَن؟" عنوان الفصل الثالث الذي يستعرض جملة عوامل ساهمت في صياغة الصورة التي باتت عليها المتاحف المصرية؛ بدايةً من الولادة القوية لعلم الآثار المصرية والشعف الأوروبي بها، والأطماع الأوروبية في الآثار المصرية، ومساعيهم لنهب كلّ ما تصل أيدهم له باستخدام كافّة الحيل، والإدارة الفرنسية وهيمنتها على المتاحف في مصر ودورها في عرقلة أية محاولة للمصريين للانخراط في إدارة متاحفهم وآثارهم، وصولاً للصورة الغربية في تصوير التاريخ والحضارة المصرية بتقسيمها لحقب منفصلة، وكذلك النظرة التقليدية المتوارثة حول مفهوم ودور المُتحف.
يتطرّق الفصل الرابع، "التنظيم الإداري للمتاحف المصرية"، إلى الخريطة الإدارية لمتحف مصر وتوزيعها بين عدد من الوزرات والهيئات الحكومية أو غير الحكومية؛ وتأثير ذلك على تباطؤ حركة التطوير في المتاحف المصرية من ناحية، والغياب الواضح وغير المتعمّد لبعض أهم أنواع المتاحف في مصر نتيجة لهذا التقسيم الإداري القائم، من ناحية أخرى. كما يُقدّم مقترحاً لإنشاء مجلس وطني للمتاحف لتفادي مشاكل التوزيع غير الممنهج للمتاحف بين قطاعات الدولة.
يؤسّس الفصل الخامس، "قراءة منهجية لتصنيف المتاحف المصرية"، لقواعد التصنيف القياسي للمتاحف، ومنهجية تصنيفها وفق طبيعة المجموعة المتحفية، ويُلحق بذلك قائمة كاملة للمتاحف المصرية صُنّفت فيها المتاحف وفق طبيعة المجموعة المتحفية والتبعية الإدارية. ويُفرد مساحة خاصّة لمناقشة اافتتاح "المتحف القومي للحضارة المصرية"، والدور المنوط بالمتحف والمتوقّع إحداثه في استعراض الهوية القومية المصرية وإسهامات مصر الحضارية عبر آلاف السنين.
تتناول الفصول الستّة المتبقيّة تطبيق هذا التصنيف علي المتاحف المصرية، بحيث كُرّس كلّ فصل لأبرز المتاحف المصرية تحت الأنواع الرئيسية الستة لطبيعة المجموعات، وهي: متاحف الآثار، ومتاحف الفن، ومتاحف التاريخ، والمتاحف العِرقية، ومتاحف التاريخ الطبيعي، ومتاحف العلوم والتكنولوجية.