محمد جمال راشد.. عن آثار مصر المنهوبة في العالم

28 سبتمبر 2022
"المتحف المصري" في مدينة ميونخ الألمانية
+ الخط -

بعد مئتي عام على فك رموز حجر رشيد، لا تزال التساؤلات مطروحة حول جملة قضايا تخصّ آثار مصر التي ينتشر جزء كبير منها في عشرات المتاحف حول العالم، وتمّ نهبها على مراحل في سياق الهوس الغربي بالحضارة المصرية وما تحيله رمزياً إلى امتلاك القوة، كما عجزت الحكومات المتعاقبة عن استرداد ذلك التراث في وقت استعادت دول أفريقية عديدة آثارها.

"متاحف الآثار المصرية حول العالم.. 200 سنة لميلاد علم المصريات وأثرها على تشكيل المتاحف المصرية"، عنوان المحاضرة التي ألقاها الباحث المصري محمد جمال راشد عند الثانية عشرة من ظهر أمس الثلاثاء في "متحف الإسكندرية القومي".

استعرض أستاذ علم المتاحف والآثار مجموعات الآثار المصرية القديمة الموجودة في أكثر من خمسة وأربعين متحفاً في مختلف دول العالم؛ من اليابان وأستراليا شرقاً، لتشيلي والبرازيل غرباً، وجنوب أفريقيا جنوباً، وأوروبا وكندا والولايات المتحدة شمالاً، مضيئاً قصة تكوّن هذه المجموعات التي بدأ بعضها منذ القرن السادس عشر، إلا أن الحملة الفرنسية، وفكّ طلامس حجر رشيد، كانت سبباً في مضاعفة الشغف الأوروبي وتوسّع عمليات النهب والحفر والتجارة في وقت لم تكن مصر في وضع يسمح لها بحماية آثارها بالصورة المناسبة.

وتطرّق راشد إلى الدور الأوروبي في نهب الآثار وفرض الوصاية على التراث المصري، وكيفية إبعاد كل المصريين عن إدارة هذا الملفّ وهدم أي محاولة لبناء متحف مصري خلال الربع الثاني من القرن التاسع عشر، من خلال الحضور السياسي الذي لعبه القنصلان الفرنسي والإنكليزي في دولة محمد علي باشا، ثم استحواذ الفرنسيين عبر عالم الآثار أوغست مارييت وخلفائه على إدارة مصلحة الآثار المصرية قرابة القرن.

استعرضت الندوة مجموعات الآثار المصرية القديمة الموجودة في أكثر من خمسة وأربعين متحفاً حول العالم

وأشار صاحب كتاب "فلسفة ونشأة المتاحف" (2022/ دار نشر جامعة قطر) إلى أن الآثار المصرية تنتشر في معظم دول العالم؛ إذ تكاد لا تخلو دولة من وجود مجموعة عامة أو خاصة على الأقل، وتحمل أكثر من تسعة متاحف تسمية "المتحف المصري" في مدن تورين وميلان وروما وفلورنسا وبرلين وميونخ ولندن وسوانزي وبون وبرشلونة وغيرها.

وأوضح أنه توجد أكثر من 450 مجموعة عامة للآثار المصرية القديمة في المتاحف حول العالم، بالإضافة إلى عشرات المجموعات الخاصة المعروفة وغير المعروفة، وأكثر من خمسة ملايين أثر مصري خارج مصر، كما استُلهم العديد من المباني في أوروبا من العمارة المصرية القديمة.

وعاد راشد إلى مقولة عالم الآثار الإنكليزي هوارد كارتر: "كانت تلك الأيام هي أيام التنقيب العظيمة، إذ كان في وسع الشخص أن يمتلك أي شيء يرغب في امتلاكه من الجِعران إلى المسلة"، والتي تصف الصورة الحقيقية لواقع الآثار المصرية في القرن التاسع عشر من منظور الأطماع الغربية.

وناقش أيضاً مسائل أخرى تتصل بسياسة الغرب تجاه التراث المصري التي تسعى إلى تفتيته لفترات وعصور منفصلة غير متصلة، وكذلك تقسيم المتاحف المصرية وفقا للفترات التاريخية وإغفال فكرة المتحف الوطني ووحدة التاريخ المصري، والتأكيد على مفهوم الآثار وإغفال مفهوم التراث (البعد التراثي)، ومن ثم فتح الباب أمام تقليل أهمية وقيمة بعض الآثار ليستمر نزيف التراث دون توقف.

وبيّن راشد أن هناك إصراراً غربياً على تصدير الصورة التقليدية للمتحف كمكان لتخزين وحفظ الآثار، وتهميش دوره تجاه المجتمع المصري، وكذلك الهيمنة على مصلحة الآثار والمتاحف المصرية وتهميش دور المصريين في فهم ودراسة تراثهم والمشاركة في العمل الحقلي، متسائلاً عن اللحظة التي ينصب فيها التاريخ محكمته.
 

المساهمون