محمد القاسمي.. استعادةُ نظرةٍ تشكيلية مغربية

09 يناير 2022
زائر أمام أحد أعمال القاسمي (من المعرض)
+ الخط -

صدفةٌ هي التي جمَعتْ الشاب محمّد القاسمي بالفنّ، مطلع ستّينيات القرن الماضي. كان الشاب العشريني، المولود في مكناس عام 1942، يعمل في تعليم الأطفال، وقد قادته جولاته في مدينته إلى اكتشاف مشاغل عدد من الرسّامين، وهو ما فتح له فضاءً تعبيريّاً لم يكن قد عرف بوجوده، رغم "حاجته" إلى ذلك. "حاجةٌ" نفترضها، خصوصاً وأن الفنان سيُعرَف، لاحقاً، كواحد من أكثر رسّامي بلده إنتاجاً.

لم يكن القاسمي يعرف أنه سيتحوّل، بعد سنوات، إلى واحد من أبرز التشكيليين الشباب في المغرب، إلى جانب أسماء مثل أحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية. لكنْ بخلاف الأخيرَيْن، اللذين استطاعا حضور العديد من دروس التشكيل في مدارس للفنون الجميلة، كان على القاسمي أن يفتح باب الرّسم بيده، وهو ما فعله بلا تردُّد، وما جلب له إعجاباً واسعاً لم يتأخّر، حيث راح يعرض أعماله خارج بلاده بدءاً من نهاية الستينيات، أي بعد أعوامٍ قليلة من انطلاقة تجربته.

حتى التاسع من شباط/ فبراير المقبل، يستعيد غاليري "لو كونتوار دي مين"، في مراكش، تجربة الفنان المغربي (1942 ــ 2003)، في معرض بعنوان "العملُ مكشوفاً"، انطلق في نهاية كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي. معرضٌ استعاديّ يركّز على واحدة من أبرز المراحل في تجربة الرسّام المغربي، أي تلك الممتدّة بين مطلع الثمانينيات ومنتصف التسعينيات.

الصورة
من المعرض
من المعرض

يتوزّع المعرض على ثلاثة أقسام تتتابع زمانياً، بحيث ينطلق مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، تلك الفترة التي كانت أعمال القاسمي تميل فيها إلى تجريدٍ هندسيّ، يقوم على مُسائلة الأشكال خارج أُطرها المألوفة. وتمثّل هذه المرحلة مسافةً اتّخذها الفنّان ممّا عُرف حينها بـ"تيّار الدار البيضاء"، ومن فهمه للوحة.

ثمّ يجد زائر المعرض نفسَه أمام أعمال يبحث فيها محمّد القاسمي عمّا ليس مألوفاً ومطروقاً، وتضمّ هذه الفترة "المُحيطية" ــ بحسب التسمية التي يقترحها منظّمو المعرض ــ عدداً من أكثر أعماله تجديداً وروحانيةً، حيث الضربات المتكرّرة للريشة على سطح اللوحة الغامق، وحيث الرغبة في تصوير ما يهرب من التعبير اللغوي وحتى الشكلي. 

الصورة
من المعرض
من المعرض

"نحو الكونية" هو عنوان الجزء الأخير من المعرض، ويشمل أعمالاً تمتدّ من عام 1988 حتى 1995، وفيه نقع على لوحاتٍ تُبرز، من ناحية، انشغاله بما يجري في المعمورة، حيث تحضر وجوهٌ سياسية وفكرية في لوحاتٍ له، بما يمثّل اختلافاً كبيراً بالنسبة إلى أعماله السابقة. كما تُظهر هذه الفترة من تجربة القاسمي قُربه من عوالم السياسية والالتزام، وهو الذي عُرف بنشاطه من أجل حقوق الإنسان في بلاده، ومن أجل قضايا التحرّر العربية.

المساهمون