برزت المجاميع البشرية في لوحات محمد الطحان (1946 - 2021) الذي رحل نهاية العام الماضي منذ نحو عقدين، كأنها شكّلت تراكم تجربة طويلة أثّث مراحلها المتنوعة بالزخارف والمنمنمات الإسلامية، أو بذكريات طفولته في الجمالية؛ أحد أحياء القاهرة القديمة التي وُلد ونشأ فيها، أو بجماليات الأرياف.
وتعدّدت وسائطه الفنية، حيث رسم بألوان الباستيل والزيت والفحم وقدّم أعمالاً تنتمي إلى فنون الحفر والنحت والخزف أيضاً، مهتماً بنقل التفاصيل التي استهوته كالنوافذ والأبواب في العمارة التراثية، أو في رصد بيوت النوبة في الجنوب أو الواحات في مصر، مؤمناً أن الفن يشكّل امتداداً للحرف التقليدية وليس منفصلاً عنها.
يُفتتح عند السادسة من مساء اليوم الخميس في "غاليري وهبة العطار للفنون التشكيلية" بالقاهرة معرض استعادي للطحان تحت عنوان "بين اللون والذاكرة"، ويتواصل حتى السابع والعشرين من الشهر الجاري، من خلال أعمال تمثّل خمسة عقود مضت.
المعرض الذي كان مقرّراً افتتاحه بحضور صاحبه حال الموت دون ذلك، يوثّق تاريخ الحجر والبشر في الأماكن التي رسمها ونحتها الفنان، كما تظهره لوحاته التي تناولت العديد من الطقوس في الصعيد، حيث يرسم في واحدة منها رقصة التحطيب التي تُعدّ من أبرز فنون القتال التقليدية بالعصي وجرى توارثها عبر الحضارات المصرية القديمة كما توضّح النقوش في معابد الفراعنة.
وفي لوحة أخرى، ينقر العازفون على الدفوف في احتفالات المولد النبوي وحلقات الذكر والإنشاد، كما رسم عرائس المولد الملوّنة ومشاهد الرقص الشعبي، مع اهتمامه بالمساحات اللونية وتوزيع كتلها في العمل في أسلوب تعبيري يتراوح بين التشخيص أو التجريد أو المزج بينهما، مستخدماً تقنيات منها الحفر على الزنك والخشب والجلد، ومواد خام متعددة مثل رقائق الحديد والنحاس.
ويظلّ حضور المعمار الإسلامي هو الطاغي في رسوماته ومنحوتاته وخزفياته التي يوظّف فيها الخط العربي، والزخارف النباتية، وأشكال القباب والمآذن، والنقوش والزخارف التي كانت تحاك على الملابس أو تُرسم على الأواني القديمة، وغيرها من الرموز والعلامات المتوارثة في الفنون التراثية المصرية.
كتَب الطحان ذات يوم: "كان لحيّ الجمالية حيث نشأت تأثيراً كبيراً في تشكيل وجداني ومصادر استلهامي وذاكرتي البصرية الأولى، وكانت الألعاب الشعبية كالنقرزان والتحطيب والمراجيح والحجلة والفانوس وحلقات الذكر والحمام الشعبي والزار من المثيرات البصرية التي حفزتني، فتارة أنبهر بالأهلة والقباب، وتارة أخرى أنجذب إلى الإنسان في مختلف أحزانه وأفراحه في السرادقات من الخيامية، كما كانت تستهويني الألعاب على المقاهي الشعبية".
يُذكر أن الفنان نال درجة البكالوريوس من "المعهد العالي للفنون الجميلة ليوناردو دافنشي" عام 1973، وشارك في عدد من المعارض خلال دراسته، وعمل مدرساً ومديراً للمعارض في قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، وأقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في العراق والسودان ونيجيريا وألمانيا وإسبانيا ورومانيا وفنلندا واليابان والولايات المتحدة.