استمع إلى الملخص
- يقدم الكتاب مقاربة معمقة للغموض، مشيرًا إلى أهمية المنطق الثلاثي القيم وتطور المنطق الغائم كنموذج يعتمد على النمذجة الرياضية لتقسيم الحقيقة إلى درجات نسبية.
- يوضح الكتاب التطبيقات العملية للمنطق الغائم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطب، مؤكدًا على دوره كأداة عملية تقدم حلولًا مبتكرة للتحديات.
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "منطق الغموض: من نظرية الحدّ إلى المنطق الغائم" لأستاذ الفلسفة والباحث المغربي محمد الشقيف، الذي يستعرض في فصوله الثلاثة النقد الذي وجّهه المناطقة المحْدَثون إلى منطق أرسطو، الذي لطالما احتلّ مكانة رفيعة في الفكر الفلسفي، مسلّطين الضوء على إشكالية "الغموض" وعقيدة التحديد التي تقوم عليها نظريته.
ويطرح الكتاب حلولاً علمية لهذه الإشكالية من خلال ما يُعرف بـ "المنطق الغائم" بوصفه نهجاً جديداً يوسّع حدود التفكير المنطقي التقليدي، حيث يستعرض المؤلف في الفصل الأول من الكتاب مشكلة الغموض التي أثارت جدلاً واسعاً في تاريخ المنطق.
ويحلل كيف اعتُبر المنطق الأرسطي، لقرون طويلة، إطاراً مثالياً لفهم العالم؛ إذ اعتمد على مبدأ "الثنائية القطبية" الذي يفرز العالم إلى حقائق مطلقة أو أخطاء مطلقة. ومع ذلك، يظهر المؤلف كيف كشف تطور الفكر المنطقي عن قصور هذا النموذج في التعامل مع قضايا أكثر تعقيدًا مثل الغموض والتدرّج.
يحلل كيف اعتُبر المنطق الأرسطي، لقرون طويلة، إطاراً مثالياً لفهم العالم
كما يستعرض الفصل إسهامات المناطقة المحدثين الذين أشاروا إلى ضرورة تجاوز الحدود التقليدية للمنطق الأرسطي، بسبب عقيدة "التحديد" التي تحكمه، والتي تعجز عن تمثيل الظواهر المعقّدة التي تتسم بدرجات من الحقيقة أو الغموض. ويناقش الفصل التحولات الكبرى التي شهدها علم المنطق، بداية من ظهور المنطق متعدد القيم في القرن العشرين، وصولاً إلى بروز نظريات مثل المنطق الغائم الذي يستوعب التدرجات بين الصواب والخطأ.
ويبحث الفصل الثاني في الأهمية الفلسفية والمنطقية للغموض، متتبّعاً كيف يمكن أن يمثل القول الغامض تحدّياً للمنطق التقليدي، ومقدماً مقاربة معمقة لمفهوم الغموض، ويوضح كيف برزت الحاجة إلى إعادة النظر في القواعد التقليدية للمنطق لإيجاد حلول جديدة وفعالة. وكذلك يركز على المنطق الثلاثي القيم الذي اقترحه جان لوكاسيفيتش، الذي يقدم بُعداً جديداً من الحقيقة إلى جانب القيمتين التقليديتين.
ثم ينتقل المؤلف إلى دراسة المنطق الغائم باعتباره تطوّراً نوعيّاً يعالج الظواهر الغامضة بطريقة أكثر واقعية. ويشرح كيف يعتمد المنطق الغائم على النمذجة الرياضية التي تتيح تقسيم الحقيقة إلى درجات نسبية؛ ما يجعل هذا المنطق أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات المعقدة في الحياة الواقعية. ويعرض الفصل أمثلة تطبيقية على كيفية التعامل مع الغموض في مجالات مثل اللغة والقرارات؛ ما يعكس مرونة المنطق الغائم.
يُركز الفصل الثالث على المنطق الغائم باعتباره نموذجاً نظرياً وتطبيقياً، وذلك من خلال شرح الأصول النظرية لهذا المنطق، وتبيان كيف تطور بوصفه امتداداً للمنطق متعدد القيم، ثم عرض التطبيقات العملية له في مجالات مختلفة. ومن خلال أمثلة تفصيلية، يوضح الفصل كيف يمكن استخدام المنطق الغائم في الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات الغامضة والمعقدة، وفي تصميم أنظمة دعم اتخاذ القرار، وفي الهندسة الصناعية.
يشير الفصل أيضاً إلى الاستخدامات العملية للمنطق الغائم في الطب، حيث يُستخدم في تحليل الحالات الطبية ذات التقييمات الغامضة، وفي الهندسة حيث يجري تطبيقه لتحسين أنظمة التحكم الآلي. من خلال استعراض هذه التطبيقات، يُظهر المؤلف أن المنطق الغائم ليس نظرية رياضية فحسب، بل أداة عملية تقدم حلولاً مبتكرة للعديد من التحديات.
يمثل هذا الكتاب مرجعاً قيماً للباحثين في المنطق والفلسفة؛ إذ يقدم المؤلف خلاصة مُركّزة عن أهمية المنطق الغائم في تجاوز القيود التقليدية للمنطق الكلاسيكي، وتقديم نماذج أكثر شمولية ومرونة لفهم العالم؛ ما يحتاج من الباحثين إلى مزيد من التعمق في دراسته وتطبيقاته.
يُذكر أن محمد الشقيف حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من "جامعة سيدي محمد بن عبد الله" بمدينة فاس بالمغرب. من ترجماته: "قوة القانون، الأساس الروحي للسلطة" لجاك دريدا، كما نشر مجموعة من المقالات والدراسات في مجلات علمية عربية محكّمة، منها: "منطق التخييل"، و"المنطق المعاصر والمسألة الأنطولوجية"، و"فلسفة التفكيك بين منطق الغموض واللامنطق".