منذ معرضه الأول عام 1988، قدّم محمد الجنوبي مفردات من طبيعة وأناس الصعيد الجواني في أقصى الجنوب المصري، في محاولة لتوثيق المشاهد اليومية التي ترتبط بتراكمات تاريخية من العادات والتقاليد لا تزال حاضرة حتى اليوم.
يضيء الفنان المصري (1965) التفاصيل الصغيرة في مكانه الأول ومخزونه الثقافي كما في معرضه "أوراق الفقد والنسيان" الذي أقيم منذ ثلاث سنوات، وتناول فيه عبر مجموعة من الوسائط من رسوم وتجهيز وكتابة، فكرة الفقد، مازجاً بين الشخصي والعام، عبر استعادة إرث تعود جذوره إلى الحضارة المصرية القديمة.
حتى السادس عشر من الشهر المقبل، يتواصل في "غاليري بيكاسو" بالقاهرة معرض الجنوبي الذي يحمل عنوان "فرش وغطا" وافتتح مساء الثلاثاء الماضي، ويضمّ حوالي ثلاثين عملاً نفّذها خلال السنوات الأخيرة.
تتداخل حالة ميتافيزيقية في معظم لوحات المعرض التي تستند أساساً إلى مشهد مقتطع من الواقع، حيث تبدو بعض اللوحات مركبة من مستويين؛ الأول يحاكي عناصر واقعية بالمطلق بينما الثاني يضمّ مفردات رُسمت بأسلوب غرائبي لكنها لا تنفصل عن تكوين العمل نفسه.
يستمّد المعرض عنوانه من الموّال الصعيدي للفنانين الراحليْن أحمد برين ومحمد العجوز، الذي ينبني على مبارزة فنية، يروي كل منهما حكاية ويرد الآخر بمثلها، وأتت أعمال المعرض لتتواصل مع نمط تناسُل الحكاية تلو الأخرى.
يتبنى الجنوبي أسلوباً مفاهيمياً في إعادة تقديم الواقع على نحو متشظ، من خلال تفكيكه إلى مقاطع ملموسة ومرئية وأخرى تعاكس ذلك، ثم دمجهما في أعمال تعبّر عن طقوس وحالات بطبقاتها المتعدّدة وتداخل الرسم عادةً بالكتابة، والطبيعة بأثر الإنسان وتفاعله معها.
تعكس كل لوحة حكاية أو جزءاً من شريط الذاكرة؛ حيث تظهر فيها طفلة أو حقل أو بيت أو شجرة، ويضع الفنان بعض تلك العناصر أو كلها متجاورة، ومنها لوحة تبرز امرأة تمسك غصن بلح بجانب رجل، ووراءهما رأس بلا جسم ومفاتيح في الهواء وامرأة أخرى تتمدّد والمشهد كله فوق خلفية خضراء.
يشير بيان المعرض إلى أن "هناك مؤثرات عديدة على الأسلوب الفني للجنوبي مثل أصوله من جنوب مصر، ودراسته الفن الغربي والمصري، وسنوات تدريسه"، وهي مؤثّرات أسهمت "في تكوين أسلوب فني فريد يتميز باستخدامه للعديد من الوسائط من البيئات المحيطة به، تعكس ذكرياته عن الزمان والمكان".
يُذكر أن محمد الجنوبي حاز درجة البكالوريوس من كلية الفنون والتربية في "جامعة المنيا" عام 1988، وله كتاب بعنوان "كتابة الصورة" (2000)، يعيد فيه قراءة تاريخ اللوحة من خلال تجارب عدد من الفنانين المصريين من أمثال محمود سعيد، ورمسيس يونان، وحمدي عبد الله وسعيد العدوي.