"مجزرة صرفند الخراب 1918: الأصول الإمبرياليّة للمجزرة الصهيونية في فلسطين"، عنوان المحاضرة التي قدّمها الباحث الفلسطيني خالد عودة الله، مساء السبت الماضي في "مركز بيت المقدس للأدب" بالبِيرة، وتَناول فيها المجزرة التي ارتكبتها قوّات الاستعمار البريطاني في ليلة العاشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1918، حيث أغارت على قرية صرفند الخراب الواقعة غربي الرّملة، وحرقت المنازل وقتلت أهلها، وكانت الحصيلة استشهاد العشرات من أهالي القرية وتدميرها وتهجير مَن تبقى منهم.
انطلق عودة الله من مفهوم مفادُه أنّ "العودة إلى التاريخ دائماً هي مشروع معرفي سياسي، في المقام الأوّل"، كما أشار إلى أنّ المصادر الأساسية التي بنى عليها مادّته "هي الذاكرة الجمعيّة لأهالي البلاد، ومن ثمّ الأرشيفات البريطانيّة والصهيونية، وكذلك المذكّرات، والصور الجوّية".
وتابع: "رغم أنّ المجزرة وقعت بعد إعلان انتهاء عمليّات الحرب العالمية الأُولى، إلّا أنّ السياق يُحتّم قراءتها ضمن ظروف الحرب العُظمى، إلى جانب عوامل أُخرى كالاستيطان الصهيوني الرأسمالي، والجغرافيا الاقتصادية، ووعد بلفور. وهي إذ تبدو مجزرةً منسيّة في التاريخ الفلسطيني، ولكنّها لم تكُن الوحيدة، شأنها شأن الكثير من الأحداث التي رافقت الحرب العالمية الأُولى، والتي تُصوَّر عادةً على أنها حربٌ بين إمبراطوريّات، وبالتالي أُخرجت الشعوب من المشهد رغم ما نالها من مجازر".
تطوُّرٌ في أدوات ومنهجيّات الإبادة الاستعمارية منذ عام 1918
ولفتَ الباحث إلى "عملية الطمس التي جرت لأيّ أثَرٍ يُذكِّر بهذه المجزرة، حتى المقبرة الجماعية تم تحويلها بعد النكبة إلى حديقة، في حين أنّ مقابر الجنود البريطانيّين ما زالت موجودة وظاهرة في فلسطين، ومن ضمنها قبرُ الجندي الذي قِيل إنّ قتْلَه تسبّب بالمجزرة حسب الرواية الاستعمارية". لكن يبقى الأهمّ في هذا السرد، وفقاً للمُحاضِر، "أنّ المجزرة لم تكن لتحدُث لولا انكسارُ غزّة، واقتحامُها من قبل الجيش البريطاني الذي استخدم لأوّل مرّة السلاح الكيماوي، وبدأ يتعقّب القوّات العثمانية، ويعاونه في ذلك ما يُعرف بـ'المكتب اليهودي'، الذي راح يُقدّم الخرائط والمعلومات للبريطانيِّين".
وتناول عودة الله في حديثه الرِّواية الاستعمارية للمجزرة، التي تشير إلى أنّه في عشيّة العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 1918، أحسَّ أحدُ الجنود البريطانيِّين المُعسكِرين بالقرب من صرفند الخراب، بأنّ أحداً يسحب حقيبته ليلاً، فلحِقَ به، ثم سُمِع صوتُ إطلاق نار، لينكشف المشهد عن عملية قتل لهذا الجندي. وهنا قرّر الجيش حصار صرفند الخراب بعد أن ادّعى أن القاتل منها ومُختبئ فيها. وبعد "تخطيط دقيق"، بتعبير الباحث، قرّر الجيش تنفيذ المجزرة التي راح ضحيّتها العشرات، فأُحرقت البيوت، ومن ثم تمّ التخلُّص من الجُثث بإلقائها في بئر القريّة التي هُجّر كلُّ من فيها، و"بهذا تكون هذه المجزرة قد رسّمت أول عملية تهجير في الزمن الأنكلوصهيوني، وإن عاد بعض الأهالي لاحقاً ليتمّ تهجرهم كلّياً عام 1948".
ونبّه الباحث إلى جملة من المُعطيات، من بينها: "أنّ الكثير من الجنود الذين شاركوا في المجزرة، انتقلوا بعدها بعام لقمع الثورة المصرية عام 1919؛ وأن المجزرة ما كانت لتقع لولا تحريض المستوطنين اليهود؛ وأنها حدثت في فترة شهدت المنطقة بها تكثيفاً في المشروع الاستيطاني لأسباب اقتصاديّة بحتة، أو ما يُمكن تسميته بـ'الجغرافيا الاقتصادية للمجزرة'؛ كما أنّ قادة إنكليزيين هدّدوا بإعادتها بعد عشرين عاماً، إبّان الثورة الفلسطينية الكبرى".
وختَم عودة الله محاضرته بـ"أنّ ما بين مجازر: صرفند (1918)، ودير ياسين (1948)، وكفر قاسم (1956)، وغزّة (2023) يُلاحظ فيها تطوّر أدوات ومنهجيّات الإبادة، وإنْ ظلّ أساسُها واحدا".