طحالبُ الأبديّة
وكأنَّها أمْطارٌ
تُكَسِّر جَليد الصمت
فوق مرتَفعاتٍ قديمَةٍ
حيثُ تَفِيضُ جِبالُ الأبَديةِ،
بحَليبِ شُموسٍ
مثل فَرحٍ مزدان بريش الضوء
نلجَأ إلى جُزر الخَيالِ
محْمولِين على فُلكِ الأيام؛
إذ أنَّنا نُبْحر
بلا مَجاديفَ، بلا أفكارٍ...
رغم ذلكَ،
تطلع أحْلامُنا
في آخرِ اللَّيالي
مِثل أحْجَارٍ قاسيةٍ،
تَتدحرجُ بطيئًا
داخل أعْمَاقِ الجُبِّ النَّائمِ
على ساحل الأرضِ.
نَحلمُ بليلةٍ أخرى
مبلّلة برذاذ الحُبّ
نَتشبَّثُ بقَطرةِ ضوءٍ
تُرَدّدُ النَّشيد نَفسه،
ونعَلِّق راياتِ الأمَل
تمِيمةً
علَى صَدر الصَّباحاتِ،
خُطبًا
تُلقيهَا الرِّيحُ
على أشْجارِ الطَّريقِ.
تلك الأشْجارُ
المزدانة بأوراقٍ،
مثل فوانيس تهذي
تُوقظ ُ جِراحَ حروب
وتبْعثُ الذَّهبَ؛
الذهبَ المنسي
في قلوب أطفالٍ.
ذهب أطفال
أضحوا رُحَّلًا،
عَبروا قَديمًا أفريقيَا
عبر صَحارِى مالي
وأدغَال السنغال،
ولمّا اقْتربُوا
من جُزرٍ كبُيوضِ اليأسِ
على مَقربةٍ من الأطْلَسيّ السَّاحر
بَدأت
تَلُوح الغَواني
خَلف الهِضابِ أشباحُ العالم،
وملحُ الأفق
المتناثرِ مثل أفكار تلمعُ
يظهر الزنج الطَّيبون،
حاملين فَوانيسَ تجُوسُ التِّلال
قبلَ أن يختفِي ضَوؤها الشَّاحب،
في قلب الزرقة
قَوافلُ الذهب والتِّبر والأفكار.
ونقطُ دم على الطريق،
قبل أن يَتحلَّل النَّهارُ
مثل اسْتعارةِ جُثَّة تلمعُ
بجَانب البُحيرةِ،
حَيثُ تَختفِي ظِلالُنا
داخل قُبورِ الغُيومِ،
وتَنزف السَّماء من خُرم إبرةٍ
في سُرَّةِ الكونِ.
تحتَ أغْصانِ الشَّجرةِ
في هذا الخَلاءِ،
ضَيَّعنا مَفاتيحَ منَازلنا لَيلًا
وأقْفلْنا عَائدينَ
من حيث أتَى النَّهارُ،
يَجتر انكساراتٍ كثيرة
ويذوب خلف التِّلال،
حيث كنا نحصي الهزائم
وحُمى اليأسِ
الشَّمس أيضًا،
ولحاء الذاكرة المتساقطِ
على تراب هذه الأرضِ
حيث كانت تنمو أعشابٌ
على ضِفاف الأبدية...
لم نكن نعلم شيئًا
عن تلك القُرى
المطْمورةِ تحت غبار المِياه
مثل طحَالبِ الأبَديةِ
وآثار الألم،
ولا السُّفنُ المنْفيَّةُ
في مَهاوي التاريخ السحيقة...
فَقَط،
كنَّا نتقَدّم بِخُطى موؤودة
وأحْلامٍ مؤجَلَّةٍ
في انتظَار غُودو،
قد يأتي
وقد لا يَأتِي
لا نَعلم شَيئًا
سوى أنَّنا
نَتقَدَّم بِخطُى وئيدَةٍ
نتقدّمُ
نحو الحَياةِ.
■ ■ ■
إبراهيم الحجري قبل لحظة الموت
نبضَاتُ قلْبهِ
حِممٌ تتقاذفها الأعماقُ
فوق جبال القرية
هيكل النظرة وسرّها
تويجات الحُب
تعبث بها ريحٌ من فضّة
في غيوم الذاكرةَ،
يَحلجُ من دمع النَّاسِ
حكايات طويلة
عن قرى
تشيّعها ملائكة المطر،
هي ذي تَصعدُ بروحِه
في اتّجاه السديم
حيث تذرف القرى
كلّ صباح
دموع الصمت المتجلّد.
■
صُورتكَ
والغرفة البيضاء
حيث ينقسم الهواء
وتسقط الأزهار من المزهرية
على الأسفلت الأبيض
مثل صراخ الليل المتفحّم.
تسقط جدران،
فيُسمع صراخ الأبدية
ينهار الهواء
على أسفلت أحلامنا،
ينكسر الصمت مرة أخرى
مثل جليد الألم.
■
تَهزّ رأسَك
تبحثُ عن شيء ما
منْسيّ في الحِكايةِ
على سرير الموت.
دمعكَ يَختلطُ
بِدموعِ شُعوب
تتألّم في قلب امرأة،
صَدركَ يتَّسِعُ لكلّ شيء
حتى الهواء الذي شرع يختنق
عزلة الحياة في ركن الغرفة
كآبة الوقت،
والكلمات التي تُخبئ السرّ.
■
تحكي
عن رماد الجَسد
القيَم التي تَهجُرنا
صورتُكَ
لا تُفارقُ المكان الشَّارد
مقْهى "فرنسا"
مَمشى المدِينة الطَّويل؛
تُريد أن ترفعَ يدكَ
نريد أن تَرفع يدك
تحرّك الهَواء الراكدَ
في غرفة الانعاشِ،
حاجبك الكثُّ
يَحكِي عن القَرية،
وطَحالبُ المُحِيطاتِ
هل نصِلُ إليك؟ إليها؟
كُلّنا هُنا
ننْتظَرك خارجَ الغُرفةِ
وما زِلنا
ننتظرُ (حتى بعد أن سُجِّي جسدُكَ)
تَجمَّد الهَواء من حَولنا
الألمُ في الداخلِ
الألَمُ في الخَارجِ
يدكَ
لم تعد تُحَرّك الكَلماتِ؛
جسدُكَ
يَذوبُ في ضبابِ العبَارةِ
أين اخْتفتَ روحك الزرقاء؟
أين مَخطوط الرِّوايةِ القَادمة لنقْرأهُ كما العَادةِ؟
أين الورُود التي زَرعتها في صحراء القساوة؟
■
النَّظْرةُ
تَنكَسرُ على أسْفلتِ المقهى
لم يَعد في الحَياةِ
مَكانٌ للطَيّبينَ
علَى هذه الأرضِ،
حَيثُ
في انتِظاركَ
كَأسُ القَهوةِ السَّوداءِ
يَبرد مثل الحبّ
في الرُّكن القَصِّي للأبدية
عصور الرماد تنبعث
في خيالك الجريح،
دمٌ يسري في عروق شجرة
أحلام متيبسة مثل أوراق الخريف
■
شَخصيات روايتك
تتجوّل في دروب المدينة
تأخذ بيدنا
نَشحذ الوقْتَ،
ونرعَى عُشبًا يَنبت
على ضِفاف القصيدة.
اللَّيلُ وحدَهُ
يوقِفنَا
كأسكَ ما زالت هُناكَ
لم تنضب بعدُ
كلِماتكَ التي تَنسُج مدنًا
أحلاَمًا وفَراشاتٍ،
والأوراق المبعثرة
السطور التي تئنّ
تحت وطأة الرحيل
يا لهذا الليل الطويل مثل الأبدية
والأحلام المعطّلة
على اسفلت المدينة.
* شاعر من المغرب