تاريخياً، لطالما انقسم الفلاسفة إلى فريقين في ما يخصّ مسألة "فعالية" الفلسفة أو دورها في الحياة اليومية: فريقٌ يرى أنها عملٌ نظريّ بحت، لا يخرج عن إطار المفاهيم والأفكار وتاريخهما، وفريقٌ يعتقد بقدرة الفلسفة على التأثير في حياة الناس وأنفسهم، غالباً نحو الأفضل.
تنتمي تجربة الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (1859 ــ 1941) إلى الصنف الثاني، الذي لا بدّ من القول إن المنتمين إليه من الفلاسفة لا يشبهون في أيّ شيء جماعات المؤلّفين في التنمية الذاتية. فعند برغسون، كما قبله عند سبينوزا وأفلاطون وغيرهما، لا وجود لنصائح يمكن تطبيقها "في خمسة أيام"، بل هناك تحليلٌ واقتراحٌ لمفاهيم ورؤى -معقّدة في الغالب، حالها حال الواقع الذي تُقاربه- من شأن التفكُّر فيها أن يؤثّر بوجود المرء وطريقة عيشه.
ضمن هذا السياق يأتي كتاب "التحوُّل: العيش مع برغسون"، للباحثة الفرنسية مانون غريمو، والصادر قبل أيّام لدى منشورات "لارماتان" في باريس.
لا تتأخّر الباحثة في الكشف عن رؤيتها، حيث تُعلن، منذ الجملة الأولى في كتابها، أن "الفلسفة، في أصلها، تحوُّلٌ". وهي تمشي على خُطى المفكّر الفرنسي بيير آدو للفكر اليوناني القديم، وتستعين بأدواته لتقرأ برغسون، ما يقودها إلى اعتبار الفلسفة "تمريناً روحياً"، أو أداةً لتغيير المرء لنفسه أو لبعض من الصفات والسلوكيات التي لا يرضى عنها.
وتُشير إلى أن غريمو لم يُخفِ يوماً إيمانه هذا بأن الفلسفة أداة للتحوُّل والتغيير، حيث رأى إلى الممارسة الفلسفية بوصفها المنهج الذي يمكّن من الخروج من رتابة الحياة الميكانيكية، التكرارية، ومن علاقة "عمياء" بالذات وبالعالم الذي يُحيط بنا. هذا العماء، يقول برغسون إنه يتموقع في العادة، أو التعوُّد، الذي يؤطّر إدراكنا ويقلّصه.
غير أنّ مهمّة الفلسفة، ومهمّة الشعر أيضاً، تتمثُّل بالخروج من هذا الإدراك الميكانيكي نحو حدسٍ يلتقط اللحظة ويلامس العالم من دون وساطة العادة، وهو ما يدفع برغسون إلى الدفاع عن العفوية، والفضول الطفولي أو الشعريّ، كأدوات تقرّبنا أكثر من ذواتنا وفي الوقت نفسه من البيئة التي تُحيط بنا.
ويلخّص الفيلسوف الفرنسي رؤيته في هذا السياق في مقولةٍ تقتبسها مانون غريمو في كتابها: "أليسَ دورُ الفلسفة أن تقودنا إلى أن نُدرك الواقع على نحو أكمل، من خلال نقْل انتباهنا من مكان إلى آخر؟ المقصود أنها تنقل انتباهنا من الجانب العملي في الكون إلى ما يبدو، عملياً، غير ذي فائدة. هذا التحوُّلُ في الانتباه هو الفلسفةُ نفسُها".