رغم حالة العزلة والصمت التي عاشتها الشاعرة العراقية نازك الملائكة (1923 – 2007)، خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياتها التي أمضتها في القاهرة، إلا أنها احتفظت بمكانة أساسية ضمن تحولات القصيدة العربية الحديثة، إذ يعتبرها كثير من الدارسين أول من كتبت شعر التفعيلة ممثلة بقصيدتها "الكوليرا" التي كتبتها عام 1947.
وربما الأبرز من ذلك كلّه، المساهمة الفاعلة لها في السجالات العربية التي دارت حول قصيدة التفعيلة، منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات بشكل خاص، ولا يزال كتابها "قضايا الشعر المعاصر" يمثّل محاولة تطبيقية في قراءة النص الشعري ووضع قواعد ومعايير صارمة في الكتابة الشعرية.
"نازك الملائكة بين واقع التجديد وحركة الحداثة" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية" في بغداد للناقد العراقي ماجد السامرائي، تزامناً مع الاحتفال بمرور مئة عام على ميلادها حيث اختارت "المنظّمة العربية للثقافة والفنون" (الألسكو) ووزارة الثقافة العراقية، الملائكةَ "رمزاً للثقافة العربية" لعام 2023.
يأتي الكتاب بعد حوالي نصف قرن من إصدار السامرائي دراسة بعنوان "نازك الملائكة.. الموجة القلقة" الذي يقترب من عنوان أحد دواوينها "قرارة الموجة"، وتضمّن قراءة في تجربتها التي قامت على الجديد وروح المغايرة منذ بداياتها، وصولاً إلى تبنيها التقليد بعد ذلك.
يشير السامرائي في تقديم الكتاب إلى أن "أقرب ما نتمثل فيه نازك الملائكة شاعرة وناقدة، هو ما يتحقق في عملية التقابل بين (الذات) و (المرآة). فكما أن (الذات) الشاعرة حاضرة دائماً، وممثلة حضورها هذا في ما ترى من صور الأشياء، أو ترسم ما تتخيل فتجسد أو تعبر عن رؤيتها للوجود.. فإن (المرآة) هي المجال العاكس لكل ما هنالك من صور الأشياء ووجوه التعبير.. إذ تبقى (الذات) هي المركز، ومجال الإشعاع، والبؤرة.. وهذه المرآة هي الشعر، والنقد بآن واحد".
ومن هنا، يرى أن العلاقة بين ما قالته شعراً، وما كتبته نقداً وتنظيراً هي علاقة تقابل وانعكاس، تماماً كما يحصل بين الوجه (الذات) والمرآة. فمرة تكون (تمثلاً)، وأخرى تكون (انعكاساً) للتمثل/ أو للمتمثل، وفي هذه العلاقة يتوضح، على نحو أكثر جلاء، موقفها الرومانسي، وتتعين سبل بحثها الشعري بكل ما اعتمدت فيه من رؤية فردية، وما رفده من (مراجع) عززت هذا الموقف، وكثفت الرؤية.