غالباً ما تُلحِق الحروب والنزاعات المسلَّحة أضراراً وتدميراً بالتراث الثقافي، مثل المكتبات ودُور العبادة والمواقع الأثرية؛ وهو تدميرٌ قد يكون متعمَّداً حين تُستَهدَف رموز الذاكرة الجماعية بغرض إزالتها، أو غير متعمَّد حين تكون مواقع التراث على مقربة من النزاعات أو ساحات لها. وإلى جانب الخسائر البشرية، لحقت خسائر هائلة بالتراث الثقافي في المنطقة العربية التي لا تكاد تخلو من النزاعات المسلَّحة.
"إعادةُ إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" عنوان مؤتمر يعقده "معهد الدوحة للدراسات العليا" في مقرّه بالعاصمة القطرية يومَي السابع والثامن من آذار/ مارس الجاري، بالتعاوُن مع "متاحف قطر" و"مكتبة قطر الوطنية" و"مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني"، وبمشاركة باحثين وأكاديميّين وخبراء يتناولون، في ثماني جلسات رئيسية، قضايا إعادة إعمار التراث الثقافي، ضمن مساحة ممتدّة جغرافياً من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا، وواسعة من حيث الزوايا التي تشمل مواضيع مثل الجندر والأقلّيات وإعادة إعمار التراث الثقافي، والتراث الثقافي والسياسات الاستعمارية، وإعادة إعمار التراث بعد الحرب كوسيلة للدبلوماسية الثقافية، وأخلاقيات التعامُل مع الأرشيف، وإشراك المجتمعات المحلّية في حماية الآثار.
تبدأ أعمال المؤتمر بمحاضرة تُلقيها فاطمة حسن السليطي من "متاحف قطر"، وتتحدّث فيها عن "جهود متاحف قطر في إعادة إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". قبل أن تنطلق الجلسةُ الأُولى، بعنوان "إغاثة التراث الثقافي: قطر والعالم"، وتديرُها أمل غزال من "معهد الدوحة للدراسات العليا"، ويتحدّث فيها كلٌّ من: ستيفن إيبرت من "مكتبة قطر الوطنية" عن جهود الأخيرة في الحفاظ على التراث الوثائقي في المنطقة العربية والشرق الأوسط من خلال "مركز الإفلا الإقليمي" و"مشروع حماية"، وجوان دينجوال ماكفرتي من "جامعة كوبنهاغن" في الدنمارك عن "جهود اليونسكو لإعادة إعمار مواقع التراث الثقافي".
تتوزّع أشغال الملتقى بين ثماني جلسات رئيسية في يومَين
أمّا الجلسة الثانية، فتحمل عنوان "العواطف والتأثير وممارسات التعافي من خلال التراث الثقافي". تدير الجلسةَ أنيت لوسيك من "جامعة شيفيلد" في المملكة المتّحدة، ويتحدّث فيها كلٌّ من سارينا ويكفيلد من "جامعة ليستر" البريطانية عن "التراث العلاجي بعد النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وبول نيوسون من "الجامعة الأميركية" في بيروت، وروث يونغ من "جامعة ليستر عن "قضايا وتحدّيات إشراك المجتمعات المحلّية في الآثار والتراث الأثري بعد النزاع"، وعمّار عزّوز من جامعتَي "أكسفورد" و"إسكس" في بريطانيا عن "إعادة إعمار سورية في المنفى".
وتحت عنوان "الذاكرة المتنافَس عليها وإعادة إعمار التراث الثقافي"، تُقام الجلسة الثالثة بإدارة فرح عريضي من "معهد الدوحة للدراسات العليا"، وتتضمّن أربع أوراق: "الذاكرة والعنف وإعادة الإعمار بعد النزاع: إعادة تخيّل الموصل" لـ كريج لاركن وإينا رودولف من "كلّية الملك" في المملكة المتّحدة، و"إعادة تشكيل الحيّز المكاني، إعادة تشكيل الذاكرة: الجهات الفاعلة الدولية وإعادة الإعمار بعد النزاع من بيروت إلى البلقان" لـ جرويا باديسكو من "جامعة كونستانز" في ألمانيا، و"المشاركة في إنتاج الذاكرة: رؤية الشباب لماضي بيروت المتنازَع عليه" لجيهان سليم من "جامعة ليدز" البريطانية، و"ذكريات جماعية لكنّها منقسمة: إمكانات العمارة التذكارية لما بعد الحرب في حلب، سورية" لمنير صبيح أفاقي من "الجامعة التقنية التشيكية" في براغ.
وتتناول الجلسة الرابعة، بإدارة إسماعيل ناشف من "معهد الدوحة للدراسات العليا"، موضوع "الجندرية والأقلّيات وإعادة إعمار التراث الثقافي". وفيها يتحدّث كلٌّ من: ياسمين الخضري من "الجامعة البريطانية" في القاهرة عن "وكالة المرأة الشرق أوسطية في الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي"، وإليانور تشايلدز من "جامعة ديكين" في أستراليا عن "تقاطُع الجندرية والتدمير المتعمّد للتراث الثقافي"، ودوماجوي كربان من "جامعة في رييكا" في كرواتيا عن "تأثير إعادة الإعمار على التراث الثقافي اليزيدي واللاجئين".
وتُختتم أشغال اليوم الأوّل بمحاضرة رئيسية تلقيها كيارا دي تشيساري، أستاذة دراسات التراث في "جامعة أمستردام بعنوان "التراث: تشكيل قوّة الدولة (ما بعد) الاستعمارية وتفكيكها"، ويُدير الجلسة نور الله منوَّر من "معهد الدوحة للدراسات العليا".
تتواصل أشغال المؤتمر، الأربعاء، بجلسة خامسة تحمل عنوان "التراث الثقافي الفلسطيني وسياسة الدولة الاستعمارية"، يُديرها عصام نصار من "معهد الدوحة للدراسات العليا"، ويتحدّث فيها غطاس صايغ من "مجلس مقاطعة أغدر" في النرويج عن "التراث الثقافي في فلسطين بين الفوضى السياسية والتزوير الممنهج للأدلّة"، ومكارم الجمل من "جامعة كولومبيا" في الولايات المتّحدة حول "ذكريات مرنة في صياغة 'الاختلاط': مكان مواقع التراث الثقافي في تصوّر المدينة 'المختلطة'"، وحامد سالم من "جامعة بيرزيت" في فلسطين عن "حماية التراث الأثري الفلسطيني في ظلّ الاستعمار".
إضاءةٌ على التراث الثقافي والسياسات الاستعمارية في فلسطين
وتحمل الجلسة السادسة، بإدارة حيدر سعيد من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عنوان "إعادة إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في العراق"، ويتحدّث فيها كلٌّ من عمر جسام من "جامعة الموصل" في العراق عن "إدارة التراث الثقافي في مناطق النزاع: الموصل نموذجاً"، وأندرو بيترسن من "جامعة ويلز" عن "إعادة تأهيل قلعة هيت: دور التراث الثقافي"، وبيجان روهاني من "جامعة أكسفورد" عن "التراث الثقافي المنسي في الحروب المطوّلة: دراسة حالة الحرب العراقية - الإيرانية 1988 - 1980)"، ومحمّد حسن خاني من "جامعة الإمام الصادق" في إيران عن "إعادة الإعمار بعد الحرب كوسيلة للدبلوماسية الثقافية: المبادرة الإيرانية لإعادة إعمار الأماكن المقدَّسة في العراق".
وتتناول الجلسةُ السابعة، بإدارة سانسوم ميلتون من "مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني" في قطر، "إعادة إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في ليبيا"، وتتضمّن ثلاث أوراق: "تأمُّلات في الاستمرارية والتغيير من أجل التعافي بعد النزاع في مركز مدينة بنغازي التاريخي" لنور الله عبد الزايد فالديولميلوس وجمال بوساعة من "جامعة قطر"، و"مشروع حماية التراث في صبراتة: تطوير منهجية جديدة لتقييم تأثير تبادُل إطلاق النار على المسرح الروماني" لمحمود هدية وأحمد مسعود من "دائرة الآثار الليبية"، و"قيم وثقافة مَن؟ دراسة في سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن إعادة الإعمار" لـ أورورا هام من "جامعة أمستردام".
أمّا الجلسة الثامنة والأخيرة، فموضوعُها "إعادة إعمار التراث الثقافي بعد النزاع في سورية"، يديرها مروان قبلان من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ويتحدّث فيها كريستين كوسا من "جامعة دلفت للتكنولوجيا" في هولندا عن "تطوير مقاربات إعادة إعمار المباني التاريخية في مدينة حلب القديمة"، وديانا صلاحيه من "الجامعة التقنية التشيكية" في براغ وسعيد السيّد من "جامعة براندنبورغ للتكنولوجيا" في كوتبوس الألمانية، وليلى زيبار من "جامعة لوفن" البلجيكية عن "إعادة معايرة التراث: قراءة تحولات حيّ الجديدة بعد النزاع في حلب، سورية"، وتوماس ريتشارد من "جامعة كليرمون أوفيرني" في فرنسا عن "الحفاظ على التراث كأداة لإضفاء الشرعية من خلال وسائل الإعلام الروسية"، وباتريك ميشيل من "جامعة لوزان" السويسرية عن "إعادة الإعمار الافتراضي بعد النزاع في تدمر: أخلاقيات التعامُل مع الأرشيف".
ويُقام على هامش المؤتمر، معرضٌ بعنوان "بين حلب والموصل"، يُضيء، من خلال مجموعة من الصُّوَر الفوتوغرافية، على الدمار الذي لحق بالتراث الثقافي في المدينتَين السورية والعراقية اللتين كانتا متّصلتَين تاريخيّاً وجُغرافيّاً ومعماريّاً، ثمّ شهدتا في السنوات الأخيرة مسارات مُتشابهة من الدمار المُشرك و"التطهر الثقافي" الذي حوّل تراثهما الضارب في التاريخ إلى أكوام من الحطام.