لي يوفان.. لحظة توازن بين الطبيعة والآلة

25 ديسمبر 2021
(من المعرض)
+ الخط -

انعكست أولى مظاهر الرفض للاحتلال العسكري الأميركي لليابان وتقديم الدعم اللوجستي لحرب الولايات المتحدة في فيتنام، في الفن الذي وجد حاضنة خصبة في جامعات البلاد، على أيدي مجموعات من الفنانين اليابانيين والكوريين منذ بداية الستينيات، الذين عبّروا عن ثقافة فكرية تنتقد الإمبريالية وتتبنّى رؤية إحيائية لهوية وطنية مضادّة.

معظم هؤلاء الفنانين انخرطوا في الحركات الطلّابية النشِطة التي عمّت بلداناً مختلفة حول العالم في سنة 1968 وبعدها بأعوام، وكان منهم الفنان الكوري الجنوبي لي يوفان (1936) الذي سبقهم بتنظيراته التي تدعو إلى نزع الطابع الغربي المركزي للحداثة، والتعامل مع الفنّ كممارسة مناهضة للاستبداد والاستعمار.

حتى الثاني والعشرين من الشهر المقبل، يتواصل معرضه الجديد بعنوان "استجابة" في "غاليري ليسون" بلندن، حيث افتتح في السادس عشر من الشهر الماضي، ويتضمّن سلسلة من المنحوتات المنفّذة من الحجر والأصباغ الطبيعية، إلى جانب لوحات بالألوان المائية ورسومات على الورق.

ركّز يوفان خلال تجربته الممتدّة لحوالي ستّة عقود على مفهوم الترابط الدقيق للخامات الطبيعية، التي يستخدمها بعيداً عن التمثّلات الأوروبية التي سادت طويلاً حول شكل العمل الفني وأساليبه، متوافقاً بذلك مع حركة "آرته بوفيرا" (الفن الفقير) التي اجتاحت إيطاليا في الستينيات أيضاً، كرّدة فعل على قيَم المؤسّسة الحكومية التي كرّستها الثورة الصناعية كمنظومة ثقافية ونسق عام للحياة.

تعامل مع الفن بوصفه ممارسة مناهضة للاستبداد والاستعمار

يتواجه زوّار المعرض عند دخولهم مع خمس من أكبر لوحاته التي تحتوي مساحات من البياض على القماش، مع توزيع لنوافذ بألوان تذكّر بمناظر الشواطئ الاستوائية وغابات الصنوبر والصحاري الملتهبة، حيث تجذب العين بوصفها بؤرة العمل، مع تقشّف كبير في استخدام اللون في الطلاء، في محاكاة بالرسم لقصيدة الهايكو، التي لطالما شكّلت مصدر إلهام للفنان الكوري، ولا سيّما قصائد الشاعر الياباني الجوّال ماتسوو باشو (1644 - 1694).

يبحث يوفان عن ذلك الصدى البصري والسمعي للصوت/ الأصوات التي تنبعث من الطبيعة، حيث الفن يمثّل بالنسبة إليه مساحة تأمّلية في ما وراء أفكار بوذا وكونفوشيوس، مروراً بسقراط وأفلاطون، وصولاً إلى ديكارت وهيغل وهايدغر، وغيرهم من المفكّرين والفلاسفة الذين تعقّبهم من أجل إدراك الصِّلة بين رؤية الفن والواقع، وكذلك بين جسد الفنان والمادة.

يضمّ المعرض منحوتاتٍ بدأ تقديمها بعد بداية الألفية الثالثة، وتتكوّن كلّ واحدة منها من عدّة أحجار مستديرة ذات ألوان فاتحة مع ألواح حديدية داكنة ومستطيلة الشكل، بحيث يتناظر اتّصال وانفصال الحجر عن الحديد مع مفهوم العلاقة بين ضربة الفرشاة والقماش، وعند لحظات اللقاء تتوضّح غاية الفنّ الأساسية متمثّلةً بمواجهة العالم، الذي يتألّف من نقاط متكرّرة أو أشكال متتالية، ويكون عندها الفن تصوّراً محسوساً لفكرة اللامتناهي واللامحدود.

يُذكر أن لي يوفان يكتب الشعر والمقالات الفلسفية إلى جانب اشتغاله في الرسم والنحت والخط، حيث نال شهادة في الفلسفة من "جامعة يوكوهاما" عام 1961، وتعلّم في الأثناء الفن التقليدي الياباني وفنون الحداثة، ثمّ درّس الفلسفة والفنون في جامعات يابانية حتى عام 2007، كما أقام معارض في فرنسا وبلجيكا والولايات المتّحدة وبريطانيا وألمانيا وكوريا الجنوبية وغيرها.

المساهمون