لينا مرواني.. قصصٌ تُشعرنا أننا غير مرتاحين

30 سبتمبر 2023
لينا مرواني
+ الخط -

كلُّ كتابٍ جديد للكاتبة التشيلية من أصل فلسطيني لينا مرواني (1970) هو تجاوزٌ لحدود السرد. كتاباتها مليئة بالأسئلة الشائكة والذكية والتأمّلات حول مفاهيم الأصل، والهوية، والوطن، ومجتمع اليوم، والحدود، واللغة، وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تشكّل ملامح إنسان هذا العصر وتصبغ شخصيته. ضمن هذا الإطار يأتي كتابها الجديد "جشع"؛ وهو مجموعة قصصية صدرت مؤخراً عن دار نشر "باخيناس دي إسبوما" الإسبانية. 

يضمُّ الكتاب محصّلة القصص التي ألّفتها الكاتبة التشيلية على مدى ثلاثين عاماً، بدءاً من كتابها الأقدم "صحون مكسورة" (1994)، وانتهاءً بـ "زواحف" (2023)؛ وهي قصة جديدة غير منشورة سابقاً. لا شك أنَّ التواريخ مهمة في هذا الإطار، لأنّها تؤكد على استمرار الهواجس الموضوعية والأسلوبية والسردية التي تسكن عالم الكاتبة الروائي. 

وكما يشير عنوان الكتاب، فإن جميع الشخصيات الموجودة في قصصه هي شخصيات جائعة. هي شخصياتٌ تارةً تعاني من جوعٍ كلاسيكي، بسبب الفقر والتشرّد والهجرة والاستعمار، أو من جوع آخر سبّبه شرهٌ مختلفٌ بيولوجياً عن ذلك المعروف لدى جنسنا البشري. 

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

غير أنّ الكاتبة تطرح دائماً فكرة وجود هذا الشره منذ قرون عديدة، لكننا نسيناه، فالأطفال يأكلون أمهاتهم، والكلاب تأكل الأطفال، والأمهات تأكل الكلاب. إنها سلسلة غذائية متكاملة، تبدأ من قصة "ثمينة كمثل جلدها"، وتنتهي بقصة "الجوع اللعين". هذه السلسلة الغذائية التي تشير إليها مرواني استعارياً ليست، في واقع الأمر، إلّا تعبيراً عن منظومة هذا العالم الذي نعيش فيه، حيث القوي يأكل الضعيف، وكأنَّ العالَم صار غابةً موحشة.

بين هذين الجوعين الكلاسيكي والجديد الذي يتماشى مع هذا المجتمع- الغابة الذي نعيش فيه، تُفجّر الكاتبة جوقة من الموضوعات والأصوات واللغات والهويات المتداخلة من بلدان عدّة، ما بين الولايات المتّحدة وفرنسا ومصر والمغرب وفلسطين. تمضي مرواني بسؤالها الكبير عن الهوية ولا تكفّ عن طرح الأسئلة عن نفسها وعن هويتها وعن فلسطين، عبر شخصياتها، ليس فقط من الناحية التاريخية والسياسية، ولكن أيضاً من الناحية النفسية والعلمية.

في قصص الكتاب كاملة، تمنح مرواني شخصياتها ملكة السرد، إذ إن جميع الشخصيات تسرد حكاياتها في الضمير المتكلم، الذي غالباً ما تستخدمه بصيغة الجمع، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى مفهوم الذاتية، الذي تراه الكاتبة مهدداً هو الآخر. 

يصعب قراءة الكتاب دون أن ينتابنا شعور بعدم الراحة، لأنها تصوّر لنا إنسان اليوم الذي يعيش شرهاً وجشعاً في مجتمع لا يتوقف عن التحوّل. قد يكون شعور عدم الراحة نابعاً من سؤال لا تكف لينا مرواني عن طرحه: ماذا يمكننا أن نفعل كي نغيّر أنفسنا؟ 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون