عندما وُلد المنظّر الاقتصاديّ وعالم الاجتماع السويسري لوسيوس بروكهارت، عام 1925، كان مواطنه، الكاتب روبرت فالزر، يعيش قمّة عطائه، بعد أن نشر معظم أعماله النثرية والسردية التي وضعت ثيمةَ المشي، والتنزّه، والتجوّل، في قلب مشروعه الأدبيّ.
هكذا، سيجد بروكهارت، في شبابه، العديدَ من الصِلات التي جرى عقدُها بين المشي من ناحية، وعوالم الكتابة والتأمّل والجماليات من ناحية أُخرى، وهو أمرٌ لن يكتفي بتطبيقه على نفسه فقط، بل سيحوّله إلى جزءٍ من منهجمه كمدرّس في "جامعة كاسل" بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي.
"عِلم التنزّه" هو عنوان كتاب بروكهارت الذي صدرت نسخته الفرنسية حديثاً لدى منشورات "فلاماريون" في باريس، وفيه يضع الباحث، الذي رحل عام 2003، خلاصات عقودٍ من البحث في دور المشي في حياة الفرد الخاصة، النفسية، وفي تجربته الجمالية والفكرية والمدينية.
يتّفق المؤلّف مع العديد من الذين كتبوا عن التجوال في تعريفه بأنه مشيٌ دون هدفٍ محدّد، بخلاف المشي العادي، اليومي، الذي ينقلنا من نقطة أولى إلى أُخرى (من البيت إلى العمل، مثلاً)؛ ويضيف إلى ذلك أن التنزّه هو الفعل الذي يسمح لنا بتشكيل صورة عن البيئة التي نعيش فيها.
بهذا المعنى، تتحوّل النزهة إلى فعلٍ إبداعيّ؛ فهي، بخلاف البقاء في نقطة ثابتة، تسمح لنا بابتكار تضاريس ومناظر طبيعية متتابعة، وبخوض تجربة جمالية تُدين بشكل كامل إلى الحركة. هكذا، تساعد النزهة على صُنع ما يشبه العقد الذي نضمّ فيه صوراً ومشاهد كانت لتبقى متباعدة ودون علاقة بين بعضها.