لوحات لوكاس أرّودا: في غروب الحضارة

20 فبراير 2023
لوكاس أرّودا في مرسمه
+ الخط -

لا تنتهي لوحة الفنان البرازيلي لوكاس أرّودا Lucas Arruda (مواليد 1983) إلّا حين يشعر من يراها بالحيرة والضيّاع. تبدو كلَّ لوحةٍ من لوحاته كأنّها مرسومةٌ من الخيال تقريباً، من ذاكرةً آتيةٍ من رومانسيةٍ ما. اللوحة غابةٌ، ضبابٌ، سماء، أرض، بحرٌّ هائجٌ، مَنظرٌ طبيعيُّ وعِرٌ، صحراء. حيناً ساكنة، وهي حيناً آخر مُضطربة. إنها مناطق وأقاليم لم تُكتشف بعد. لذلك لن نعثر عليها في أية خريطة. مع ذلك، يمكننا التعرّف على نباتاتها والأشكال التي تعيش فيها بسهولة.
 
في معرضه الذي افتتح في بداية شباط/ فبراير الجاري، ويستمر حتى الثامن من آذار/ مارس المقبل في صالة "مكتبة الآتينيو" Ateneo بمدريد، لا يمكن إسقاط العواطف والمشاعر على الحوادث الجغرافية وحدها، بل هناك أيضاً ثراء خفيٌّ من الألغاز البصرية، وربما الميتافيزيقية.

سباق الاستهلاك غيَّر وجه بيئتنا بشكل لا يمكن إصلاحه

يعثر المتلقّي في لوحاته على تناقضات مألوفة وغريبة في الوقت نفسه: الأثيري والأرضي، المرئي وغير المحسوس، الواقعي والخيالي، السياسي والاجتماعي، الإنساني والآلي، الليل والنهار، السماء والأرض. وهذا ما يمنح لوحاته وجوداً. يحوّلها إلى كائنات غريبة. من هنا يمكننا القول إنّ أعمال لوكاس أرّودا هي بكلّ تأكيد حالات ذهنيّة.

يعرض لوكاس في لوحاته، التي يصل عددها إلى العشرين، أدغال الأمازون، إضافة إلى مجموعة مختارة من لوحات زيتية ونقوش رُسمت على الورق. منذ البداية، يخّيم على جو المعرض العام إحساس فريد. تدخل الممرّ الطويل وترى على جانبي الحائط لوحات صغيرة لا يمكنك إِلّا أن تتوقّف عندها. الأخضر والبنّي، أساطير النخيل الطويلة، الصحاري، مناظر الطفولة، والغابات الأطلسية.

الصورة
من لوحات أرودا - القسم الثقافي
من المعرض الحالي

يدافع أرّودا، في كلّ لوحة من لوحات المعرض، عن الرسم باعتباره مكاناً لا يزال قادراً على حثّنا على التأمّل في عصر السرعة الحالي الذي يدفع بنا إلى الهاوية. لا شك أنّ الصعوبة التي تواجه الفنّان كبيرة، خاصة في ظلّ الطفرات الأكثر تطوّراً للفنون التكنولوجية. 

كلُّ لوحة من لوحات الفنّان البرازيلي منظر عقلي صغير يلغي الحدود بين العالم المصغّر والعالم الكبير. ضمن هذا المعنى، يمكن اعتبار لوحاته وحدة كونية تُفسح المجال أمام ابتكار ألوانٍ جديدة يصعب تمييزها. في اللوحة تتلاشى سماوات سوداء مع مناطق كانت شاسعة في يوم من الأيام، لكن لسببِّ ما، ضاقت. ربما بسبب السماء نفسها، أو لعلّها ضاقت بسبب الإنسان. 

الصورة
من أشغال أريداس - القسم الثقافي
من معرض سابق، 2011

تتمتّع اللوحات المتواضعة التي يرسمها أرّودا بقوةٍ آسرة. تبدو كلّ لوحة نصّاً آخر لمناظره الطبيعة. إنّه نصّ سياسيّ يرسم معالم غروب الحضارة الناتج عن الأزمة البيئية، ويكتب مرثية النظم البيئية التي قد تختفي خلال وقت قصير. ربما لهذا السبب قد تكون غاباته خيالاً، وربما تكون موجودةً في خياله وحده.  

في سياق تغيّر المناخ، في عين الزوبعة، تبدو المناظر الطبيعية التي يرسمها أرّودا مهدَّدة، مضطربة، غير مستقرّة. يغيب الإنسان بشكل كامل عنها. هي بذلك مساحات جديدة وهشّة موجودة على الأرض التي دمّرها الإنسان بسبب رغبته في التقدّم. لا شك أنَّ سباقنا المحموم من أجل التقدّم، الاستهلاك، والوفرة، غيَّر وجه بيئتنا بشكل لم يعد بالإمكان إصلاحه.

المساهمون