لا أحد سينظر في موقفك من مشكلةٍ خاصّة أو اجتماعية أو حتّى سياسية، حتى تجعله مكتوباً بمنشورٍ أو مقال، هذا لأنّ النّص لديه سُلطة. تموتُ الأفكار على قارعة النقاش الميّت في رحلة البحث. وعلى الضفة الأخرى قبيلةٌ من الكلام تُريد أن تثأر لأبنائها الذين غرقوا في قوارب النجاة، وسطوة الألم المُلازم عند كلّ لحظة تذكّر، مثل موجةٍ هادرة تُطيح بكل المُحاولين.
على سبيل المثال، تخيّل شخصاً هادئ النبرة والملامح مثل غسان كنفاني، هل كانوا سيصغون لصخب أفكاره إن لم يكتب؟ ربّما ما كان ليصغي أحدٌ لوجهة نظره عن اللجوء وفعل التحرّر والعمل الأدبي، لكنّ الكتابة أجبرتهم على الإصغاء لملامحه الهادئة والقلقة في آن. وتخيّل معي أسيراً مُثقفاً مثل وليد دَقّة. مَن كان ليأبه لفكره أو قصّته وسيرته بالذات، مِن بين ستة آلاف أسير، لولا أنّه كتبَ وكتَب؟ قبيلة من الكلام تثأر لأخرى، وتتحرّر.
سيصغون لِما كتبْت، لوجهة نظرك التي نَزَفْتَ وأنت تحاول إقناع أحدهم بها، حين يرونها في نَصٍّ، أو على لسان شخصيّة اختلقْتها في لحظة تجلٍّ، أو بمعرض سرد أو نقد. سيكون النّص أكثر إقناعاً من صوتٍ يرجو إكمال فكرة، ربّما لأنّه طرفٌ ثالثٌ، أو ربّما لأنه وثّق ما لا يمكن محوه بعد الآن، في معارك الكلام اليومية.
"قبيلة تريد أن تثأر لأخرى".. لهذا سأكتب كثيراً، لأن روايةً ترفض الموت والنسيان، وتريد أن تحيا، مثل وردة نبتت وسط صخرة.
* كاتب وصانع بودكاست من فلسطين