لم يتركوا لنا مكتبةً صغيرة

23 ابريل 2024
من معرض شذا حنايشة المُقام حاليّاً في "دار النمر" ببيروت (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النص يستكشف رحلة البحث عن معنى وجمال في الدمار والأنقاض، حيث يحلم الشخص بتحويل العناصر البسيطة كالحجر والماء إلى أشياء تتجاوز طبيعتها الأصلية، مثل طائر أو زجاجة تعكس الشمس.
- يعبر عن الشعور بالاغتراب والفقدان أمام البحر الذي يشبه كتاباً تمزق في حريق، مشيراً إلى عدم القدرة على استرجاع ما فُقد أو توقع العثور على رسائل القدر فيه.
- يتناول النص الحنين إلى الماضي والتراث الضائع، حيث يبحث الشخص عن أثر أو كلمة تربطه بالماضي دون جدوى، معبراً عن الشعور بالوحدة والتشتت في مواجهة الزمن والتاريخ الذي تحول إلى مجرد زينة.

يرتدي الأخضَرَ كما يرتدي المُطلق؛ يحاول إيجادَ معنى بسيطٍ عن الأنقاض التي حالت بينه وبين العالم؛ أراد للحجر أن يكون طائراً.

أراد للماء أن يكونَ زجاجةً تتلألأ بها الشمسُ؛ أراد للنَّبعِ أن يصلَ به إلى وردةٍ كبيرةٍ ينامُ تحتها رحّالةٌ من زمنِ البَنَفْسَج.

■■■

لا يمكن أن أقف أمام البحر وأتذكّر ما حدث في ما سبق؛ أمام هذا البحر الذي يشبه كتاباً تمزّق في حريق.

لم أنتظر منه اللآلئ ولا قنّينةً فيها رسالة القدر؛ لم أنتظر على الهوامش الذابلة منه السفن ولا الأشرعة؛ أمام هذا البحر الذي لم يصفه لون ولا الأهواء.

■■■

رحلتُ منذ سنين. من قبل أن يولد إنسانٌ في حلمه؛ حيث الكلمة تخلع ثيابها أمام المرآة وترتدي ثيابها الملوّنة.

لقد كانوا مَطَراً وسنابل؛ وقد كانوا أنهُراً وقوارب

عندما نزل المطر والبرتقالة على الطاولة. رحلتُ منذ سنين عن ترّهات الزمن؛ والتاريخ أشياء للزينة والتماثيلُ دمٌ وغرائز.

■■■

لم يتركوا لنا مكتبةً صغيرةً من تراثهم نعتمدُ عليها؛ نشربُ القهوة هناك؛ نلتقطُ صوراً للذِّكرى أو نهديها كتباً جديدةً من شَغَفِنا والحنين.

بحثنا كثيراً عن معنى بسيط؛ عن كلمةٍ ترشدُنا إلى أثرٍ على ورق؛ على غلاف كتابٍ أو على عُملةٍ معدنية؛ ولم نجد في تراثهم مكتبةً ولا حرائق.

■■■

دعني وهذا الصداع متواصلاً بين الأشكال المائية والضوء؛ دعني وهذه الريح تأتي بصراخٍ بعيدٍ لفتاةٍ من أبعاد الليل.

دعني وهذه البرتقالة يغريني لونُها؛ وأن أقارنَ الأرضَ بها أو أتّخذَها صورةً عن الأمل؛ دعني أسِرْ لوقتٍ طويلٍ في هذا الطريق المظلم.

■■■

لم نعرف الكثير عنهم؛ لم يصلْ إلينا عنهم سوى حرير الأغاني وبعض الألغاز ضاعت في الطفولة. لم نرهم إلّا في الأحلام التي تراودُنا بين حينٍ وآخر.

لقد نسينا لغتَهم وضاعت المفرداتُ التي كُنّا قد ورثناها عنهم. لقد كانوا مَطَراً وسنابل؛ وقد كانوا أنهُراً وقوارب؛ بحثنا كثيراً عنهم في أراضٍ زراعية وفي الطرق التي كانوا يسيرون فيها؛ وبحثنا عن أثرٍ لهم في الكتب؛ ولم نجدهم إلّا في ما بعد الطبيعة.

■■■

لم نجد حجماً لموتنا أو مرتفعات؛ كانت الخرائطُ تتغيَّرُ ونحن نتحوَّل من ساكنٍ إلى متنقّلٍ من مكانٍ إلى مكان؛ وأصبحت كلمةُ الهجرة نفاقاً.

وكلّما اشتدّ بنا النفاقُ هوينا إلى هاويةٍ من الكحول؛ نهوي إلى آخر ما يريدُ بنا صداعُ الكون؛ من دون أن نجد حجماً لموتنا أو مرتفعات.


* شاعر ومترجم من الأهواز

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون