في خِضمّ الإبادة الجماعية الصهيونية التي تتعرّض لها غزّة، والمُستمرّة منذ قرابة شهرين؛ استعاد "نادي لكلّ الناس"، أول من أمس الأحد، ضمن فعاليات الدورة الخامسة والستين لـ"معرض بيروت للكتاب العربي والدولي"، شريطاً وثائقياً بعنوان "لماذا المقاومة" (1971)، للمُخرج اللبناني كريستيان غازي (1934 - 2013)، الذي تمرّ، هذا العام، الذكرى العاشرة على رحيله.
المُقاومة في وعي غازي، وكما يُترجمها بصريّاً في عملِه هذا، تتأسّس على بُعدٍ عالمي، وفي الجوهر منها القضية الفلسطينية. هنا، نجد أنّ مسارات الفيلم تتقاطع إلى حدٍّ ما مع الواقع الإبادي الذي نعاينُه في غزّة، اليوم. فصانع الأفلام رحل من دون أن يعلم أن عمله الذي أبادته وأحرقته مليشيا يمينية لبنانية، بالإضافة إلى ثلاثة وأربعين عملاً آخر، أثناء الحرب الأهلية، قد أُعيد ترميمُه، ليرى النور في مناسبات عديدة، كانت أبرزها، العام الماضي، في الذكرى الخمسين لاستشهاد غسان كنفاني.
التزامُه بالقضية الفلسطينية جاء في سياق تحرُّري وإنساني
يشتمل الفيلم (53 دقيقة) على لقاءات بالإنكليزية مع كُتّاب وشخصيّات أدبية وفكرية وسياسية عديدة، برزت خلال عقدَي سيتينيّات وسبعينيّات القرن الماضي على صعيد الثورة الفلسطينية، مثل غسان كنفاني وأنطوان زحلان وصادق جلال العظم وأوغيت كالان وأحمد خليفة ونادية حجاب. بل إنّ التصريحات التي أدلى بها المُشاركون في الفيلم، باتت تُقتَطَع ويظهر كلٌّ منها على حِدَة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لتبدو كأنّها وثيقة قادمة من زمن مضى، ولكنّ أثره ما زال قائماً، وضرورات المقاومة كامنةٌ فيه وتمتدّ إلى يومنا هذا.
وربّما أشهر هذه التسجيلات، تلك التي تعود إلى صاحب "رجال في الشمس"، حيث نراه يتحدّث، قبل اغتياله بعام واحد فقط، عن أهداف حركة التحرير الفلسطينية التي وُجدت من أجل بناء فلسطين ديمقراطية، تنعدم فيها كلُّ أنواع التمييز، سواء أكان اقتصادياً أو دينياً أو قومياً أو اجتماعياً، وأنّ طبيعة الصراع بين حركة التحرّر الفلسطينية والعربية من جهة، وبين "إسرائيل" والقوى الإمبريالية من جهة ثانية، يُحتّم نوعاً من المواجهة التي تتمثّل بالمقاومة المسلّحة للشعب.
لا نحتاج إلى طُول تفكُّر حتى نُدرك إلى أيّ المدارس الفنّية تنتمي عدسة غازي، مع ذلك، لو أننا أجبنا عن هذا السؤال، بكلمة واحدة: "الواقع"، فإن هذا لا يُحدّ من رؤية العمل على الإطلاق. فرغم أن الواقعية كتيّار تلتزم سلفاً بوجهة مُسبَقة، حسب نقّادها، إلّا أن أعمال غازي لم تكن لتقف عند هذه المُباشرة في الطرح. كذلك لو تحدّثنا عن المسحة الوثائقية في "لماذا المقاومة؟" بالتحديد، سنجدها من الأعمال المُؤسّسة في السياق اللبناني، الذي يُمكن أن نستذكر فيه، أيضاً، مارون بغدادي وبُرهان علوية وهيني سرور وجوسلين صعب وآخرين.
يُشار إلى أن غازي قد أخرج، خلال مسيرته، 45 عملاً كانت مشغولة بالنضال وقِيم التحرّر والثورية، منها: "الفدائيّون" (1967)، و"مئة وجه ليوم واحد" (1970)، و"الحياة في المخيّمات"، و"الوجه الآخر للّاجئين، و"نعش الذاكرة" (2001).