الشاعرُ حلزونٌ
يكتبُ على لحمِهِ
وكتابتُه المتكوّمةُ على ظَهرِهِ
بيتُه الوحيد.
■ ■ ■
أَشِمُ حُلمي على جلديَ بِحِبرِ الليلِ
الذي أسرُقُهُ من نَومِ البشر
- مجرّد نقطةٍ صغيرة من كلّ شخص لن يلاحظها أحد -
أَشِمُ ملاذي الأخير الذي يَفتحُ ذراعيه
لغِرباني
(وهو ليس قبراً بالمناسبة).
■ ■ ■
ما مصيرُ الكتاباتِ اليَتيمة؟
أجِدُها غالباً مختبئَةً هناك في أكثرِ الأماكن غيرِ المُتوقّعة
مُرتعبةً
أن يتخلّى عنها خالِقُها
تخشى إدراكَ
وجودِها المحدودِ في هذا العالم
نادَتْنِي كلمةُ GÜRÇİM (غُرْتشِمْ)
التي وجدتُها عالقةً على فرشاةِ أسنانٍ قديمةٍ
(استُخدِمَتْ لأوّلِ مرّة في 13.06.17)
التَقَطتُها مُرتجِفةً
ووضعتُها بين صفحاتِ كتابي
هل تظُنّينَ أن هذا القارئ سيمنَحُكِ الخُلود
- أو يشتري لكِ المزيدَ من الوقت؟
لا
بل سيدفِنُك حيّة.
■ ■ ■
تحتَ القمرِ الفضّيّ
ذهني غارقٌ مع تلك الإسخريوطية
مستسلمةً ومأخوذةً
طافيةً على السطح
في قاربها الخاص
وهذا شغبها الوحيد.
■ ■ ■
أراقِبُ الكلماتِ تتدفّقُ منّي
بدهشةِ
شابٍ مطعونٍ
لا يُصدِّقُ أنّه سيموت.
■ ■ ■
حلقةٌ مُفرَغة
ما زلتُ أذكرُ من أيام الرّوضة الكثير من الأسماءِ والوجوه.
ما زلت أذكرُ توفيق،
بِزِيِّ الذئب
وعينُه على الفتاة ذات الرّداء الأحمر.
ما زلتُ أذكُرُ عينيها البنّيتين الواسعتين خلال تمثيلها السيّئ
تلاحقان مراد هنا وهناك،
مرادُ الذي أعلنَ يوماً أنه سيتزوج آلين،
تلك الفتاة الجميلة الشّاحبة التي همست
- وعيناها الخضراوان مغرورِقَتَانِ بالدّموع -
أنها تريد الزواج من سيرجان،
الذي لا يهوى شيئاً في الدنيا سوى السيارات.
لن أحصلَ على رخصة قيادة
رغم كل هذه السيارات التي تزعق في وجهي،
لأنني أفضّلُ في الحقيقة ركوبَ الذّئب.
■ ■ ■
نبيذ، خبز، شِعر...
بعددِ الشاماتِ الهُلاميّة المُخبّأة في شَعرِي
وبعدد الكويكباتِ التائهة
التي تشتعلُ في مداري الجوّي
أقرأُكَ في كل غُرفة فندقٍ في هذا العالم
مُتقلّبِةً ومُشرّدةً ومنتميةً لكل البشر.
■ ■ ■
خجلى تحتَ الصنوبر
أيتها المَخاريطُ
أيّ مزارٍ من مزاراتِ الله أنتِ؟
أيتها الجذوعُ التي تَنزّ الصّمغَ الحلو
أيّة أحلامٍ رطْبةٍ تُراوِدُك؟
أيتها الإِبَرُ
أيّةُ حقيقةٍ منسيّةٍ تَشبِكينها على جِلدي؟
■ ■ ■
أنتِ الآن
كثيرةٌ جداً
وأنا التي ضاعفتُ اسمَكِ
كتبتُه وحشَوْتُه في أفواه تُرابيّةٍ
سالَ لُعابُها
- ما أريد قولَه:
أنني أنا التي فجّرتُ حِدادَ الليل
وذلكَ الضبابُ على نافذتكِ: أنفاسي
أنا التي قَصّتْ عليكِ الحُلمَ
الذي التفّ كَكُرَةٍ لولبيّة وتجسّد هناك
في هذه الليلة الطويلة
أنتِ الآن
تلكَ الشظيّة التي تنحتينها كاللؤلؤة بصمت
أنا التي دفعتها عميقاً
في لحمكِ الهشّ
- لا تفهميني خطأ.
فأنا لا أتطفّل عليك يملأني الحَسَد
ولكنكِ الآن
في بؤبؤ الليلة التي لا ترمِش
في تلك النافذة العاجية
هل تعتقدين أنكِ غيرُ موجودةٍ؟
أنتِ الآن، كثيرةٌ جداً.
■ ■ ■
BÖGÜ
إلى يحيى حسن
شيءٌ ما بين العقربِ والعنكبوت
نسميه بالتركيّة BÖGÜ
ليستْ كابوسَ جنودٍ أتراك في كُردستان
ولا أميركيينَ في أفغانستان
ولا آكلةُ لحومِ بشر
تقضِمُ لحمَكَ خلالَ
نومِكَ العميق
يقولون:
إنها تَضَعُ بيضَها
في ساقَي الجَمَل
ولكنّ كلُّ ما أرادَتْه في الحقيقةِ
أن تزرَعَ بذورَها في أرضٍ دافئةٍ
وترتاحَ
في ظلّ الجَمَل
دون أن تُضطرَّ لتُقرِّرَ
إذا ما كانت
عقربَ الرّياح
أو عنكبوتَ الشّمس.
■ ■ ■
الطيور البرّية
قد يسلبونَ أرضَكَ
التي لا تزال حيّةً تتنفّسُ في يَدِك
قد يسلبونَ فنّكَ
الذي يُثقِلُ قلبكَ
قد يتجبّرونَ عليكَ
ويسلبونَ أموالَكَ
وعينيكَ وتنهداتِكَ المُثقلة
والشاماتِ على جلدكَ والثقوبَ التي بداخلكَ
ومعركَتَكَ ويحوّلونها إلى نكبة
ولكنّهم لن يسلبوا منكَ
تلك الطيور البريّة الحرّة
كلماتكَ.
■ ■ ■
عرّافة دلفي متأخرة
سؤالانِ وحسب
من بين آلافِ الأسئلة
المكتوبةِ على قطعٍ صغيرةٍ من ورقِ البردي
صادفاني في مكتبة فيينا.
آسفة، كان عليّ استجماع كل خبرتي وحكمتي
لإيجادِ تذكرةِ طيرانٍ وغرفةِ فندقٍ رخيصةٍ
وقد توقّفتُ عند المقهى وتناولتُ كوبَ قهوةٍ بالحليب.
أخيراً سأُجيبكِ:
"هل ينبغي أن أستمرّ في العمل كمحاسبة؟"
-لا.
"هل أتزوّجه؟"
-لا
■ ■ ■
أُشفِقُ على مَن يؤمنُ
أن لا شيءَ يتغيّر
وأُشفِقُ على الذي تمنّى
ألّا يتغيّر شيءٌ
لا تمرّي بجانب شخصٍ كهذا
فمجرّدُ مرورِكِ به قد يعني فناءَهُ تماماً.
■ ■ ■
اللغةُ الأمُّ للطفلةِ اللاجئَة
هي الحليبُ الذي تَشرَبُهُ
من ثدي أُمّها الميّتة.
■ ■ ■
صديقُ أبي اسمه ميتي
وكانَ حقاً ملاكاً بلا أجنحة.
وأسوأَ أعدائه عمّي إتيم
الذي استمتعَ بهذا العالم حتى الثّمالة.
ولكنني لم أدركْ يوماً حتّى مات
أن أبي كان مجرّد مرآة.
■ ■ ■
لاحِسات السُّكَّر
أحاولُ أن أكتب
ولكنّ تلكَ الحشرة الفضّية لاحسة السُّكَّر
مستمرةٌ منذُ ملايين السنين
في قَضْمِ ورقتي.
وسوف تأكلُ ملابسي عندما تنتهي.
وعندها فقط ستضعُ
مئة بيضةٍ تحتَ أظافري
وتعودُ إلى مكانِها.
■ ■ ■
في المدينة المنورة
أوقعني بشباكه ذلك الفتى الصغير
وأخذ الناس يحدّقون في وجهي وكأنّني فريسَتُه
ثم أشارَ إلى صندوقٍ خرسانيٍّ صغيرٍ:
هذا ابنُ بطوطة الذي لا تذكره الخرائط
والذي ضيّعَ اسمه في أحد المطارات.
وأخيراً سمح لي الشرطي
بالدخول
فضمَمْتُ يديَّ
ولكنني للأسف لا أعرفُ كيفَ أُصلّي.
■ ■ ■
تحوّلتْ كل قِطَطِ الأَزِقّةِ
إلى ثعالب
والكلابُ الضالّة أصبحتْ ذئاباً
كَمَنَتِ الذئابُ على نواصي الشوارع
واستلقت الثعالبُ على السيارات،
خاليةَ البال
تستشرفُ المستقبل.
إسطنبول قارِسَةُ البردِ
والأشجارُ تزمجرُ بحقدٍ
فتحدّقُ الثعالبُ "لقد قلنا لكم"
لقد جاءتِ الأشجارُ لأخذِ مُستحقّاتِها
وديونها
لتُثلِجَها علينا.
■ ■ ■
لم يكن لدى والدي ما يقوله
فأطلقَ نكتةً سخيفةً
ثم تدحرجَ عارياً على نباتِ القُرّاص،
ونهض قائلاً:
"هذه أيضاً فكرة
شئتِ أو أبيتِ"
لا أزورُ قبرَهُ
الذي سيغمره نباتِ القُرّاص قريباً.
اليوم سألني درويشٌ عما أكتبه
فتدحرجتُ عاريةً على نبات القُرّاص،
وهذا شِعرٌ أيضاً
شئتَ أو أبَيتْ.
■ ■ ■
اللامبري، أفعى البحر
تلتمتعُ على نافذتي
لحمُها تُرابٌ
وفمُها عُشبٌ
أشبهُ بنداءٍ قديمٍ
يُومِضُ على الحَجَر
وليسَ لي قدرةٌ على انتشالِها.
* ترجمة: عماد الأحمد
بطاقة
Gürçim Yılmaz شاعرة وناقدة تركية ولدت في هانوفر في ألمانيا وعاشت ونشأت في أنقرة، وتعيش حالياً في إسطنبول. حاصلة على ليسانس في الإعلام وماجستير في الإعلام والدراسات الثقافية من "جامعة الشرق الأوسط التقنية" في أنقرة. عملت في عدة صحف وقنوات تلفزيونية وطنية، كما عملت في مجال الفنون البصرية كقيّمة ومنظمة معارض. وإلى جانب الشعر، نشرت مقالاتها وقصصها القصيرة في العديد من المجلات والصحف التركية.