لا تُصدّق أوفيد

09 مارس 2021
ميروسلاف لايوك
+ الخط -

تقبيلُ الفتيات

لا تُصدّق أوفيد: لقد كتبَ "التحوّلات"
وبَقِيَ على حالِه، بل أصبحَ أسوأ.
لا تُصدّقْ هيرودوت
فرؤيتُه للزّمنِ منقوصةٌ
ومدرِّسُ التاريخ يعرفُ أكثرَ عن الزمن.
لا تُصدّقْ ابن سينا
فهل سَمِعَ أصلاً بالبنسلين؟

قَبِّلِ الفتيات
شفاهُهُنَّ حمراءُ كالورودِ القانِيَة
وَضَعِ الفراشاتِ السوداءَ كالفَحمِ على شفتيكَ
وبطونها في فَمِك
سيبدو هذا المنظر أكثر جمالاً
للذين ينظرون إليكَ من الرصيف.

لا تَخُنْ اشمئزازَكَ -
فلن تَجِدَ طريقةً لتغتسلْ.

تصرخُ قائلاً: ولكن لماذا؟
أليسَ هناكَ من بين كلِّ النّساء
سوى زوجةِ الملكِ في هذه الحرب!

يُمكنكَ تقبيلُ الحربِ - أجمل سيدةٍ
تُضطرُّ لمشاركتَها مع الجميع، ولمَ لا؟
فشفتاها حمراوان كالورودِ القانِية
قَبّلْها - وستغفرُ لكَ كراهيتَك
بل ستغفرُ حتّى الحبّ الذي لم يكن حبّاً.

هل لديكَ أيّ خَيارٍ آخر
عندما تكونُ زوجةُ الملكِ 
هي المرأة الوحيدة؟


■ ■ ■


إيقاعٌ هادئ

ينتَفِخُ المُستنقعُ ويمتلئُ
بالطّبقاتِ السُّفلى من الهواء،

يَسوَدُّ خاتمُ الخطوبة الفضّي.

والجداولُ الجوفيّة
في الكهوفِ السفليّةِ تحتَهُ
تجري بكلِّ قُوّتِها 
تَغُصُّ بسَمَكِ السّلمون المُرقّط
على بعد خطوةٍ صغيرةٍ من الصّوت.

سَقَطَ هنا
جنديٌّ من جيشٍ مجهولٍ
أسفلَ الضّباب
مرّتْ به خيولٌ بمعاطِفَ مجهولةِ الألوان.


■ ■ ■


الأشجار

أشجارُكَ أشجارٌ حَيّة
خِيطَتْ بالجذورِ على أجسادِ الأسلاف
يتدفّقُ الدّمُ الدّافئ من لِحائِها
قبلَ أن تُطِلّ برأسِها
وجوهُ عيدِ الفِصْحِ المُقدّسة.

أشجارُكَ أشجارٌ حيّة
تعزفُ على الطيورِ
مثل أوركسترا سيمفونية دون مايسترو
يُدَوزِنُ حركات كماناتِ الزَّرازير
والزيزفونِ عندَ الفجر.

أشجارُكَ أشجارٌ حيّةٌ
تَعَضُّ مرافِقَها وتَكسِرُ أذرُعَها الرّقيقة
لتُوقِعَ الأطفالَ
الذين تَصُرُّ أسنانُهم من العصبيّة
أمام وجوهِ النوافذ.

أشجارُكَ أشجارٌ حيّة
سوف تدقُّ ثلاثَ دقّاتٍ
على الأبوابِ الميّتة
وتعبرُ عتبةَ المنزلِ
وتَطلُبُ بعضَ الماء
وتطلُب روحاً.


■ ■ ■


بياض

في ليلةٍ سوداء
بالقربِ من البحيرةِ الزرقاء
تَوقّفَ ترامٌ أصفر وحَمَلَني
إلى المجهول -

سأتمسّكُ بالدرابزين
كيلا أسقُطَ في هذا العالم
مثلُ زجاجةٍ فارغةٍ.

مرَّ الترامُ بالمنطقة الصناعيّة
وقَطَعَ المباني التي أعرفُها ولكنني لا أراها
مرَّ بأشجارِ الحَورِ
التي سقطتْ في القرن الماضي
مرّ بالناس النائمين
مرّ بثلاثة سمامير
تتسلّل هنا وهناك.

وكانَ كلُّ شيءٍ مُلْكي بالفعل
كلّ هذا مُلكٌ لي بالفعل
ما عدا هذه الأصابع
ما عدا هذه الأصابع الخمسة البيضاء.


■ ■ ■


جزيرة

رأيتُ في بلدةٍ جبليّة مَهجورةٍ
أنهاراً هوائيّةً
تجري بينَ الغيومِ
وقِمَمِ الجبالِ
تَحملُ أسماكاً هوائيّة
وحجارةً هوائيةً
وطحالبَ هوائيّة
ورجالاً هوائيّين غرقى.

سأصعدُ يوماً ما
سطحَ أطولِ ناطحةِ سحابٍ
وسأبحرُ على متن قاربٍ هوائيّ
حتى نهاية القارّة
حيث يبدأُ البحرُ الهوائيّ
فهناكَ جزيرةٌ على حافّتِهِ -
لن تعرفوا عنها أيّ شيءٍ على الإطلاق.


■ ■ ■


النبات الشوكي

جرّدني من اسمي
يا نباتَ الشّوك
أريدُ أن أكونَكَ
أريدُ أن أمسكَ الثّعالب والغزلان من أرجُلها
دونَ أن أُخيفَها
لأحكي للمستمعين ذوي الرّيش
عن الأحلام التي تراها جذوري
لأُخفي ثعباناً عجوزاً في صدري
وأدفّئَ أطفالَها
أريدُ أن أعرفَ
أين ترعى قطعانُ الخنافسِ الجوفيّة
أين تختفي الفراشاتُ
ذواتُ البُطونِ الحمراء
والأجنحةِ الرّماديّة
كيفَ ينبِضُ قلبُ الجَرادِ
وكيفَ يَغشى صوت الفلوتُ مسامِعَ ابنِ عِرْس
أريدُ أن أُطعِمَ الدّبَبَة والغِربانَ بِيدي.

أريدُ أن أكونَ نفسي
مجرّدُ نباتٍ شوكيّ.


■ ■ ■


حَمّامُ الرّجال

ينفجرُ حمّامُ الرجالِ بموجاتٍ من الضّحك.

يمزحونَ بفظاظةٍ ويُطلقون شتائمَ بذيئة
يَجرُونَ مثل المراهقين المُتَهتّكينَ
على ضفّةِ نهرٍ
يضربونَ بعضهم البعض
بمناشفِ قرصِ العسل
يبصُقونَ غُبارَ الفحمِ من بلاعِيمِهِم
ويختنقونَ بالبُخارِ:
البخارِ الذي يَحُلّ دائماً مَحَلَّ الهواء.

وبعدَ الماء الساخن
الذي لا ينفد أبداً في الموقع 
يشربونَ بضعَ كؤوسٍ أُخرى
من [مشروبِ] الهوريلكا الأوكرانيّ 
يعودونَ إلى المنزلِ ويُغنّجونَ قِطَطَهُم
يسحقونَ زوجاتهم وينامون.

سوف ينسونَ كلّ هذا في الغد
إذ ينبغي أن يستيقِظوا مُجدّداً،
ينسونَ كلّ هذا
حتى يروا قيصرَ الفئران في نومِهِم.

ربّما لن يكونَ لديهم وقتٌ للاغتسال يوماً ما
حالما يخرجونَ من المنجَمِ 
سُوداً مثلَ الفئران
سيُخرجُ قيصرُ الفئران من فَحمِ الخَثّ
في المستنقعاتِ البعيدة
سيمنحونَهُم بنادقَ هُجوميةً
وسيَسألونَ: هل يمكنُنا أن نغتَسِلَ أولاً؟
ولكنّ حَمّامَ الرّجال سيتدمّر
مثلَ بقايا فرَسٍ تحتَ الأنقاض
وسيفرَغُ السّوقُ
الذي يُقطَعُ فيه لحم الخنازير والعجول
وسيفقِدُ سقفَهَ ذلك المعبدُ الطّائرُ
الذي تُسفَحُ فيه الاعترافاتُ
لن يتذكّر أحدٌ اسمَ ذلك الرّجل المُشرّد
الذي رُسمتْ صورتُه 
على جدرانِ ذلك المعبد
ولن يُسمحَ لهم، ببساطة،
بالتنفّس والاغتسال (حتى في البِرَك)
وكجائزةٍ تشجيعيةٍ سيُقالُ لهم:
قريباً جدّاً لن ترغبوا في الاغتسالِ أبداً.

غَسَلوا البارحة غُبارَ الفَحمِ عن جُلودِهِم
ركضوا في الحمّام 
قذِرينَ يزأرون من الضّحك
فلا أحدَ يَسخَرُ من كروشِهم المُترهّلة القبيحة
أو ينظرُ تحتَ أظافِرِهِم
لذلك اغتسلوا بعناية بالصّابون -
وفَرَكُوا أجسادَهُم، 
حتى ظهرتِ النّدوبُ على جلودِهم، 
ليصبحوا نظيفينَ تماماً.

أمّا اليوم، وحتّى لو وُجِدَ الماء، فسيقولون:
لماذا نغسِلُ الفَحمَ عن أجسامِنا
إذا كان دمُنا قد تَجَلّطَ على جِلدِنا
فهل تَغسِلُ الدّمَ عن جِلدكَ إذا كان دَمَك؟


* ترجمة: عماد الأحمد


بطاقة 
شاعر وروائي وكاتب مسرحي من أوكرانيا. وُلد عام 1990 في قرية سمودنا، التي تقع في جبال الكاربات، ويعيش في كييف منذ سنّ الثامنة عشرة. من إصداراته في الشعر: "ميتروفوبيا" (2013)، و"روز" (2019). وفي الرواية: "بابورنيا" (2016 ــ الغلاف)، و"لم يُخلَق العالَم" (2018). صدرت له قبل أيام رواية جديدة بعنوان "الماء الحديدي". أعماله متأثّرة بلهجة الهوتسول، التي تختلف كثيراً عن اللغة الأوكرانية، وتتميّز بفولكلورها.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون