قدّم المخرج الأردني حكيم حرب (1966)، أول أمس الثلاثاء، عرضه المسرحي الجديد بعنوان "لا تصالح" على خشبة "مسرح الشمس" في عمّان، وهو نتاج للدورة التدريبية في "فن التمثيل للهواة" التي ينظّمها المسرح وتتوجّه إلى مختلف الفئات العمرية الأطفال واليافعين والشباب.
يرتكز العمل على السيرة الشعبية للزير سالم أبو ليلى التي سبق للمخرج عرضها عام 2004 في مسرحية بعنوان "مأساة المهلهل" وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية، ويعيد اليوم تناولها ضمن رؤية جديدة بتأثير الحرب التي شُنّت على غزة مؤخراً، ودور المقاومة الفلسطينية في تحقيق النصر وعدم الاستسلام، وإحيائها لفكرة فلسطين التاريخية الكاملة من النهر إلى البحر.
يسعى حكيم حرب في مسرحيته إلى الربط بين شخصية المهلهل والإنسان العربي في زماننا المعاصر
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول حرب "حاولت من خلال كتابة المسرحية الارتقاء بالسيرة الشعبية لتصل إلى مصاف المآسي الكبرى في الدراما القديمة، والارتقاء بالبطل الشعبي إلى مصاف الأبطال التراجيديين، بعيداً عن المحاولات التي تناولت السيرة الشعبية بشكل تقليدي يهتم بالظاهر والسطحي والمكرور على حساب الجوهري والعميق".
يضيف "الزير سالم يعتبر أول بطل تراجيدي عربي يقيم صراعاً فلسفياً وعمودياً، وليس صراعاً تقليدياً أفقياً، ويطرح سؤالاً وجودياً، على طريقة شخصيات تراجيدية شكسبيرية مثل: هاملت، مكبث، عطيل .. الخ، إذ أعلن بعد مقتل أخيه كليب بأن خصمه الحقيقي هو الزمن الذي يلهو بمصائرنا، والذي جعل شخصاً وضيعاً مثل جساس يقوم بقتل فارس عظيم مثل كليب، مطلقاً صرخته الشهيرة الخالدة: "أريد كليباً حياً" أو "أريد كليبا كله لا مزيد"، غير طامعٍ بمال أو مُلك أو سلطان، فقط يريد عودة أخيه القتيل إلى الحياة لا أكثر ولا أقل، وهو مطلب عادل ومنصف وإن كان مستحيلاً".
يسعى صاحب مسرحية "حلم ليلة حظر" بوصفه كاتباً ومخرجاً للعمل إلى الربط بين شخصية المهلهل والإنسان العربي في زماننا المعاصر، والذي يحتاج لأن يتعلم درس التشبث بالحلم حتى لو قيل إنه مستحيل، متسائلاً: "إذا بقي المهلهل يطارد حلماً مستحيلاً ويقاتل لأجله حتى الرمق الأخير، فماذا نفعل نحن أصحاب الحلم الممكن والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى؟ ألا يستحق الأمر أن نقاتل لأجل تحقيق حلمنا المتمثل بعودة حقنا وأرضنا كاملة من النهر إلى البحر دون نقصان، فنحن نريد فلسطين كاملة لا مزيد، مثلما أراد المهلهل كليباً حياً..".
ويوضّح حرب أنه استعار عنوان مسرحيته من عنوان قصيدة "لا تصالح" للشاعر المصري الراحل أمل دنقل التي يقول فيها "لا تصالحْ!/ ولو منحوك الذهب/ أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما../ هل ترى..؟/ هي أشياء لا تشترى.."، في رفض للخضوع إلى سطوة الزمن الرديء الذي نعيش فيه، زمن الهزيمة والانكسار، الذي بإمكاننا الانتصار عليه، لهذا كانت سينوغرافيا العمل عبارة عن سكة حديد فوقها قطار يرمز إلى الزمن الذي ينجح بطل المسرحية في إعادته إلى زمن البطولة والانتصار مغادراً زمن الذل والعزيمة، فمثلما تحدى الزير الزمن وأراد إعادته إلى الوراء لكي يعيد أخاه القتيل إلى الحياة؛ فإننا نحن أيضاً في مسرحيتنا جعلنا البطل يخوض صراعاً مع الزمن وينجح في إعادته إلى الزمن الذي نصبو اليه .
كما يلفت إلى أن خشبة المسرح، وفق الرؤية الإخراجية، قسمان؛ الأول يمثّل الواقع المعاصر حيث الفنان المسرحي غير القادر على العيش في زمن الهزيمة والانكسار، فيقرر العودة بالزمن إلى زمن البطولة والانتصار، فيختار قصة الزير سالم ليقدمها فتكون بمثابة عبرة وتذكرة للجيل الجديد بأهمية التشبث بالحلم واسترداد الحقوق وعدم الصلح مع الأعداء.
ويوضّح حرب أن القسم الثاني يتضمّن أحداث الحكاية التاريخية أو السيرة الشعبية، حيث تبدأ بحكاية التبّع حسان الذي يقتحم بجيوشه بلاد الشام ليغزو بني قيس، ويقتل ملكهم ربيعة، وطلب الجليلة لتكون زوجة له بالقوة والإكراه وتتوالى الأحداث حتى يتمكن وائل بن ربيعة من قتل التبع وتحرير الجليلة، وتنصيب نفسه ملكا على البلاد، محاولاً التأسيس لدولة عربية منيعة ولمشروع عربي حصين يكون نداً للروم والفرس في ذاك الزمان، ولكن يتم إجهاض المشروع - مع الأسف - بمقتل وائل بن ربيعة المعروف بـ "كليب" على يد ابن عمه جساس مما يتسبب بحرب دامت لمدة أربعين عاماً قادها المهلهل دون انكسار أو استسلام.