كاتب من العالم: مع جوردي دوثي

03 سبتمبر 2022
جوردي دوثي (ت: سيرخيو كاديرن)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته قرّاءَه. "قضيتي، إن كان لي قضية، تذكير القارئ بأن أي شيء في هذا العالم يبعث الدهشة"، يقول الشاعر والكاتب الإسباني في لقائه مع "العربي الجديد".



■ كيف تُقدّم عملك لقارئ جديد، وبأيّ كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟

- يرغب الكاتب عادةً أن يبدأ القرّاءُ بكتبه الأخيرة. لذلك أنصح كلَّ من يريد التعرُّف على نتاجي الأدبي أن يقرأ مذكّراتي أو دفتر ملاحظاتي: "كلاب في الشاطئ" الصادر عام 2011، و"كلّ هذا سيصير ملكك" الصادر عام 2021. إنّهما كتابان مختلفان ومتنوّعان، ويوجد فيهما قليلٌ من كل شيء تقريباً. هما كتابان نثريان، لكنّ مركز ثقلهما هو الشعر. الشخصية التي تظهر في هذين الكتابين لا تختلف جذرياً عن كتابي "لم نكن هناك"، الذي صدر مؤخّراً بـ اللغة العربية عن "دار خطوط وظلال" بـ ترجمة سمير مودي: كائن يرغب أن يكون لامرئياً، لكنه مسحورٌ بالقشور السطحية اللانهائية الموجودة في العالم المرئي.


■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

- أعتقد أنّ السؤال أو القلق الأساسي في حياتي هو عدم التفاهم بين البشر. إنه، في حقيقة الأمر، عدم قدرتنا على التواصل. كلّ ما نقول يشوبه سوء الفهم، تماماً كما قال إليوت: "من المستحيل أن أقول ما أعنيه فقط".


■ ما هو أكثر ما تُحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها، وما هو أكثر ما تتمنّى تغييره فيها؟

- أنا ابنٌ لأمّ فرنسية وأب إسباني. لذلك أعتبر نفسي ابناً لثقافتين على الأقلّ. بالنسبة إلى الثقافة الإسبانية أحبّ فيها الجرأة، والقدرة على الارتجال، ولكنّني أمقت افتقارها إلى الصرامة وميلها إلى القبول. برأيي، ينبغي على المثقّفين الإسبان أن يدافعوا عن أنفسهم بشكل أفضل في وجه اللامبالاة وازدراء المجتمع المحيط بهم.

كائن يرغب أن يكون لامرئياً، لكنه مسحورٌ بالعالم المرئي

■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- في سنٍّ معيّنة، يعرف المرء أن شخصيَتهُ قدَرَهُ وأنَّ حياته ستكون، في أغلب الظنّ، هي نفسها إلى حدٍّ ما. في الحقيقة، كنت أتمنّى لو أنّني كنت أكثر جرأة في شبابي، كنت أتمنّى أن أعيش مزيداً من الأخطار!


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- لا أتوقّع أيّ شيء من العالم على الإطلاق. العالم موجود منذ بداية الزمن، ولكنّه لا يستجيب لأحلامنا وآمالنا. مع هذا كلّه، يجب أن نحلم باستمرار. والحلم هنا يعني وقف جميع أشكال العنف ضدّ الآخرين: الرجال والنساء والحيوانات.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- هناك الكثير! لا أمانع أبداً لو تسلّلت إلى "العشاء الخالد" الذي أُقيم في الثامن والعشرين في كانون الأوّل/ ديسمبر عام 1817، في منزل الرسّام بينجامين هايدون في لندن، والذي حضره الكتّاب الرومانسيون وليم وردزوردث وجون كيتس وتشارلز لامب، لأكون شاهداً لا مرئياً على حديثهم ومرحهم.

لم نكن هناك - القسم الثقافي

■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرّية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

- الخطر الدائم: الرقابة، عدم المساواة الاجتماعية، السلطوية، والعنف بكلّ أشكاله، بما في ذلك عنف السلطة.


■ ما هي قضيّتك، وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

- الفن موجود لكي يثري رؤيتنا للعالم ويوسّع مسار الحياة ويجعلنا أكثر انفتاحاً واتساعاً. من هنا، كانت قضيتي، إن كانت لي قضية، تذكير القارئ بأن أي شيء في هذا العالم يبعث الدهشة، لذلك يجب أن نفتح أعيننا وحواسنا جيّداً كي يجعلنا العالم جزءاً من غموضه وأسراره.


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة، وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

- تضيف كلّ ترجمة فروقاً دقيقة ومعانيَ جديدة على الأصل، وبالتالي تثريه. عندما أنشر قصائدي ويقرأها قارئ، قارئ جيّد بطبيعة الحال، لا تعود ملكي. تصبح قصائده. هكذا لا يوجد قارئٌ أفضل من المترجم، يلبس الكتاب جسداً وروحاً ويعيد كتابته بلغة جديدة، تماماً كما قال الشاعر والمسرحي الإسباني لوبي دي فيغا: "من جرّب الأمر يعرفه!".

شكّلت الأندلس ذروة اللقاء الشعري وثمّة شيء يوحّدنا

■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب بها؟

- اعتاد الشاعر خوسيه أنخيل بالينتي، والذي أحبّه كثيراً، أن يقول: "الشاعر هو شخص له علاقة شهوانية مع الكلمات". هكذا هو الأمر. لكن، في الوقت نفسه، لا أحبّ أبداً صورة الكاتب المهووس بالكلمات، أو الذي يحوّل الكلمات إلى غاية بذاتها. الكلمات وسيلة وأداة رائعة لخلق الجمال وإثارة المشاعر وشحذ العقل. من هنا كانت علاقتي مع اللغة الإسبانية مزيجاً من الحميمية والاحترام. أحب أن تجرفني، وأحبّ أن أقودها حيثما أشاء: إنه هذا الحوار.


■ كاتب منسيّ من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟

- أعتقد أنّه واحدٌ من أهمِّ الشعراء في اللغة الإسبانية، إنّه الشاعر الأرجنتيني أنطونيو بورتشيا (1885-1968). عمله الشعري "أصوات" هو كتاب كلاسيكي. على الرغم من أنه تُرجم إلى كثير من اللغات، لكنّي أعتقد أنه لم ينل التقدير التي يستحقّه.


■ لو بقي إنتاجك بعد ألف سنة، كيف تحبّ أن تكون صورتك عند قرّائك؟

- من الواضح أن هذا الأمر لن يحدث. ولكن، لو افترضنا الأمر، أحبّ أن يعثر بعض علماء الآثار، في ذلك الوقت من المستقبل، على كتابٍ لي دُفن تحت الأنقاض، وأن يكونوا قادرين على إكمال معرفتهم باللغة الإسبانية عبر شظايا كتابي. أن أكون واحداً من هؤلاء الشعراء المجهولين الذين لا تُعرف أسماؤهم، لكنّ أشعارهم تظهر في مختارات شعرية عظميّة.

 
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

- حقيقةً، حتى الآن أكاد لا أصدّق كيف يمكن أن يقرأ شخصٌ ما شعري في لغة أجنبية. ولكن هذا الأمر قد حدث فعلاً، وأنا نفسي قرأت بالإسبانية والفرنسية والإنكليزية أعمالاً لأدونيس، ودرويش، وسعدي يوسف. على الرغم من الاختلافات الثقافية والعادات الأدبية، ثمّة شيء يوحّدنا ويجعلنا نتواصل فيما بيننا، لا سيما بين الثقافتين العربية والإسبانية، حيث شكّلت الأندلس ذروة اللقاء الشعري والشعراء. نحن نكتب الشعر لأننا بشر فانون ونريد التمسّك بالحياة، هذا القوس الوجودي الموجز على هذه الأرض.



بطاقة

Jordi Doce شاعرٌ وكاتب إسباني من مواليد مدينة خيخون في إسبانيا عام 1967. درس الأدب الإنكليزي وعمل في الصحافة. صدر له العديد من الأعمال الشعرية؛ من بينها: "تشريح الخوف" (1994)، و"حوار الظلّ" (1997)، و"عبرة البقاء" (2000)، و"زاوية واسعة" (2005)، و"كلاب في الشاطئ" (2011)، و"لم نكن هناك" (2016) الذي صدرت نسختُه العربية حديثاً عن "خطوط وظلال" بترجمة سمير مودي.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون