تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة حول انشغالاته الإبداعية، وجديد إنتاجه، وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "رغم تحوُّل البيئة الأدبية في تركيا إلى الأدب الغربي، فإنّ اهتمامها بالأدب العربي يتزايد يوماً بعد يوم"، يقول الكاتب التركي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف تُقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
نحن نعيش في بيئة أدبية تتطوّر مع تطوُّر وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أنّها تُسهّل جوانب كثيرة في العلاقات بين القارئ والكاتب، والكاتب والناشر، وبين الكاتب والكاتب أيضاً، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي سرّعت من شلليَّة الكُتّاب، وزيادة عدد الأعمال المتواضعة بوضوح. أحياناً نرى أنّ العمل الذي يجري الحديث عنه ويحصل على جائزة ما، هو عمل متواضع. لم تكن لجان الجوائز مُطمِئنة تماماً على الإطلاق.
بصرف النظر عن ذلك، لدينا اهتمام كبير بالترجمة. ورغم تحوُّل البيئة الأدبية في تركيا إلى الأدب الغربي، يمكننا القول إنّ الاهتمام بالأدب العربي يتزايد في تركيا يوماً بعد يوم.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
أودّ أن يتعرّفوا عليّ من خلال روايتي الأخيرة "إسطنبول بكلِّ حذافيرها". كلُّ ما كتبتُه أخيراً يُعبِّر عنّي كثيراً. وهي رواية تتناول التحوُّل الحضري والتوسُّع العشوائي لمدينة إسطنبول، وتحكي عن قاع المدينة بأسلوب مختلف. ورغم أنّ من الصعب أن يتحدّث الكاتب عن عمله، فإنّني أعترف بأنّني سعيد لأنّ الرواية تحظى باهتمام القُرَّاء. يُقال إنّ رواياتي تنتمي إلى نصوص ما بعد الحداثة، لأنّها تعبِّر عن انسجام بين الخيال والواقع. ما يهمّني أنّني أعمل بدقّة وببطء، وأتبنّى فهماً أدبياً ليس استمراراً أو تكراراً لأحد. في الحقيقة، لا بدّ لي من العمل بهذا الشكل.
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
الأسئلة التي تشغلني هذه الأيام تتعلَّق بالرواية الجديدة التي أكتبها في رأسي. هذه الأسئلة تجعلني مشغولاً دائماً. أجد أنّ من الرائع وجود رواية في رأسي، وفي بعض الليالي أرسم صوراً لها في ذهني، ومع هذه الرسومات التخطيطية، تكتمل الرواية داخلي. التفكير في الصور هو الطريقة التي تساعدني كثيراً في إنشاء الخيال. أحتاج أيضاً إلى تحسين أسلوب الرسم الخاص بي.
اللغة، بالنسبة إليّ، فنٌّ أكثر من كونها أداة
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
أهتمّ كثيراً بثقافة الأدب الشفوي الكردي وغنائه. لقد تأثّرتُ كثيراً بهذه الثقافة. إلى جانب الحكايات المحلّية والقصص الخيالية، كانت "ألف ليلة وليلة" كنزاً أثَّر في نظرتي للأدب. أودّ أن أسمع المزيد من الحكايات من شهرزاد، خصوصاً القصيرة منها.
وما أودّ تغييره هو موقف المجتمع تجاه المرأة. لسوء الحظ، نحن متألّمون جدّاً بسبب هذا الأمر.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
إذا عدتُ إلى البداية، فسوف أستمرّ في المسار نفسه. أعتقد أنّني سأكرّر أخطائي. الأخطاء هي أُستاذنا. هذا لا يعني التباهي بأخطائي، لكنّني أعتقد أنّها ذات قيمة في الحياة.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
تحدّثتُ عن هذا كثيراً في المقابلات حول روايتي الأخيرة. آمل أن يتذكّر الناس أنّهم جزء من الطبيعة، وأن يعرفوا أنه يتعيّن عليهم المساهمة في التعافي البيئي. سيكون من المهمّ للإنسان أن يعرف أنه ليس أكثر أهمية من شجرة أو قطّة أو زهرة أو مقطع لفظي. وعندما نُدفن تحت هذه الأرض، فإنّها سوف تساوي بيننا.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أُحبّ دوستويفسكي، ومارسيل بروست. لكنّني أعلم أنهما سيكونان مملَّين. أودّ تكوين صداقات مع كورت فونيغت، ونيقولاي غوغول. وأن أتحدّث مع نجيب محفوظ وجون فاولز عن رواياتهما. سيكون من الممتع أيضاً الدردشة مع جميع شخصيات فرناندو بيسوا المخفية.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
يُعتبر الكُتّاب الأكبر سنَّاً، الذين يستخدمون الكُتّاب الجدد/ الشباب جنوداً لهم، أكبر تهديد في كلِّ الأدب.
■ ما قضيّتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
الكتابة قضية في حدّ ذاتها، بالتأكيد. لكنّ هذا لا يعني أنّ الكاتب ليس لديه قضية أُخرى. أنا شخص أردت أن أُصبح كاتباً منذ أن كنتُ في الخامسة من عمري. لم تتغيّر هذه الرغبة أبداً منذ أن قرأتُ كتاب جول فيرن الأوّل. تعلّمتُ الكتابة وبدأتُ كتابة الشعر والقصص. وعندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، نُشرت قصائدي في المجلّات المحلية. أستطيع أن أقول إنّ قضاياي قد تنوّعت منذ أن بدأتُ في وقت مبكر جداً. عندما كنتُ طفلاً، أردتُ تغيير العالم. وبعد أن كبرتُ وفهمت الأدب أكثر، رأيتُ براعة الكتابة. تعلّمت أنّ الكتابة هي أيضاً قضية قيِّمة للغاية. وإلى جانب الكتابة، كانت لدي "الطبيعة" دائماً.
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
هذه عبارة صحيحة. لقد تُرجمت أعمالي إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والفيتنامية والكردية. وكلّما أجريتُ محادثات مع القرّاء، ولاحظتُ أنّه جرى فهمي بلغات أُخرى، اعتقدتُ أنّها كانت ترجمات ناجحة.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب بها؟
اللغة بالنسبة إليّ فنٌّ أكثر من كونها أداة. أضع ذلك في الاعتبار وأنا أكتب. أنا أيضاً مدرّس أدب. لفترة طويلة، علَّمتُ الأطفال القراءة والكتابة. لقد تعاملتُ دائماً مع اللغة، وهي عملي وفني.
ليس الإنسان أكثر أهميةً من شجرة أو قطّة أو زهرة
■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
لا أعتقد أنه جرى نسيانهم كثيراً. لديهم قرّاء مخلصون، لكنّي أودّ أن يقرأ الناس فيَّاض كاياجان، وهولكي أكتونتش.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
سيكون من المثير أن تستمر وجهة نظري للغة والطبيعة والكون بعد ألف عام، لكنني أتمنّى ألّا أُفهم بشكل خاطئ.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
"ألف ليلة وليلة" هو أحد الكتب التي أضعها بجوار وسادتي. لقد ذكرت هذا في العديد من المقابلات والاستطلاعات. قرأت نجيب محفوظ بسرور، وخصوصاً "أولاد حارتنا"، وهي رواية رائعة الجمال، وقيمة نادرة من نوعها. وقرأت أيضاً لأدونيس ومحمود درويش. لكنّني أودّ أن أرى المزيد من الترجمات من الأدب العربي المعاصر. أودّ أيضاً التعرّف على الأدب العربي ما بعد الحداثي.
في الوقت نفسه، أودّ أن أرى كيف ستترك روايتي عن إسطنبول أثراً على القُرَّاء العرب. إنّني سعيد لأنّ كلماتي وجدت لها مكاناً في لغة أُمّي، العربية. شكراً على هذه المقابلة اللطيفة.
بطاقة
روائي وشاعر تركي من مواليد 1982 في مدينة باطمان التركية لأب كردي وأُمّ من أصول عربية. تخرَّج من قسم اللغة التركية وآدابها في جامعة الأناضول. بدأ تجربته الأدبية بكتابة الشعر، حيث أصدر مجموعة بعنوان "السواد السائر"، حازت "جائزة علي رضا أرتان" الشعرية عام 2010. ثم اتّجه إلى السرد، وأصدر مجموعة قصصية بعنوان "ثلاثة عشر صفر صفر"، حازت "جائزة نجاتي جمعالي" عام 2015. صدر له في الرواية: "الساحر" (2006)، و"هذا لم يحدث هكذا" (2017)، و"آخر أيّامنا الجميلة" (2019)، و"إسطنبول بكلِّ حذافيرها" (2022). أصدر مجلّة باسم "القصّة"، ويعمل حاليّاً محرّراً أدبيّاً في مجلّات تركية عدة.