"كاتب السلطان" لخالد زيادة: مقاربة تاريخية

10 ديسمبر 2020
عمران يونس/ سورية
+ الخط -

حاول الباحث والكاتب اللبناني خالد زيادة في كتابه "كاتب السلطان: حرفة الفقهاء والمثقفين"، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1991، إعادة قراءة علاقة المثقف بالسلطة والمجتمع، في تحليل تاريخي يستعيد دوره والتحولات التي طرأت هلى مدار مئات السنين.

صدرت حديثاً طبعة رابعة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" من الكتاب الذي يعود إلى الحقبتين المملوكية ثم العثمانية، وخصوصًا في مصر وبلاد الشام، ليتعقّب أدوار رجال الدين وكتّاب الديوان، ومواقفهم من التحديث في بداية القرن التاسع عشر، وأثر التحديث في الحدّ من نفوذ المؤسسة الدينية - التي خسرت أجزاء من وظائفها القضائية والتعليمية بسبب إنشاء المحاكم المدنية والمعاهد التقنية - وفي انهيار جهاز كتّاب الديوان بعد أن أخذ الإداريون على عاتقهم تسيير شؤون الدولة.

في الفصل الأول، "اليسق العثماني"، يورد زيادة تعريف نجم الدين الغزي لليسق: "اليسق ليس من الشريعة بشيء، بل هو جهل بها، ومن عادات علماء الأتراك التي لا يعرفها ولا يقرّها علماء الشام ومصر". فاعتُبر العمل باليسق فتنةً حصلت في الدين، لما دخلت هذه الدولة العثمانية، وشاع موقف رافض لدى علماء الشام ومصر تجاه فرض اليسق؛ باعتباره مخالفًا للشريعة.

يقرأ الكتاب تحوّلات المثقف ومواقفه من التحديث والسلطة

يتناول الفصل الثاني، "حرفة الفقهاء"، تفصيلات حرفة الفقهاء، وكيفية طلب العلماء للعلم، ويتناول الجهاز الديني في مصر وبلاد الشام. وفي رأيه، يقوم الجهاز الديني على شبكة موسّعة من الوظائف التي يتوزعها أفراده في ما بينهم، "فثمة وظائف لا بدّ من القيام بأعبائها حتى تستقيم الحياة الدينية، مثل الأذان والإمامة والخطابة، إضافة إلى التدريس والوعظ. 

ويتحدث المؤلف في الفصل الثالث، "مجالس المشورة"، عن مجالس العلماء في أيام الفرنسيين بمصر. فقد كان العلماء أقرب إلى المماليك منهم إلى العثمانيين، إلا أن المماليك ما عادوا، بعد رحيل الفرنسيين، القوة الوحيدة أو البارزة بين القوى التي تتنازع السلطة في مصر؛ إذ ضمر نفوذهم، وضعفت الصلات التي تربط العلماء بهم. وعلى الرغم من أن العلماء كانوا يفضلون العودة إلى وظائفهم الدينية في تلك اللحظات الحرجة من التحولات، فإنهم وجدوا أنفسهم، في وسط الفئات والقوى المتصارعة، في خضم الفوضى. اتجه العلماء نحو التخلي عن المشاركة في الشؤون العامة لقاء الحفاظ على الامتيازات التي بين أيديهم، فأسرعوا إلى تسليم السلطة إلى محمد علي، فأقصاهم عن دورهم الأهلي الوسيط.

أما في الفصل الرابع، "كاتب السلطان"، فيقول زيادة إنه على امتداد القرن السابع عشر كان الكتّاب، وأولئك الذين يتصلون بحرفتهم، "ينتقلون من المهمات الحرفية التي تستلزم خبرات دقيقة في الخط والحساب والإنشاء، إلى تكوين وجهات نظر في أوضاع الدولة التي يخدمونها، بصفتهم مستشارين للوزراء والسلاطين. وكانت الآراء التي يعرضونها تتخذ طابع الاقتراحات والتوصيات، خصوصًا أنها ستعزز بمعارف جديدة يستقونها من مصادر جديدة، غير تلك التي اعتادوا أن يستندوا إليها تقليديًا". 

غلاف الكتاب

يرى المؤلّف في الفصل الخامس، "شريك الرأي"، أن عكا طورت مهنة الكاتب ورفعت من شأنه ودوره. وعلى الرغم من الأخطار التي حاقت به، حيث "تحول من مجرد محاسب أو صرّاف أو مدبر لشؤون الأمير إلى مستشار. إن موهبة الخط الجميل والإنشاء ومعرفة الحساب، كان يُضاف إليها الذكاء والدهاء والخبرة الطويلة". 

وفي الفصل السادس، "المثقف"، يعود المؤلف إلى أسماء أعلام في العربية، بحثًا عن ماهية المثقف، أمثال أسعد داغر وإلياس أبو شبكة ومنير موسى وألبرت حوراني وهشام شرابي وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، ليبدو له أن ظهور المثقف، تبعًا للمحاولات التي عرضها، أتى نتيجة قطيعة بين عصر وآخر، تراوح بين حملة نابليون بونابرت في نهاية القرن الثامن عشر والسيطرة الاستعمارية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، إضافة إلى القطيعة على مستوى الثقافة العربية ذاتها التي يقيمها الجابري بين المشرق والمغرب. 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون