"قواعد" إرنستو كاباييرو: ماذا حدث لألسنتنا؟

30 نوفمبر 2024
من العرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في مسرحية "قواعد" لإرنستو كاباييرو، تتغير حياة عاملة تنظيف شبه أميّة بعد حادثة غريبة، حيث تصبح عالمة لغة مثالية، مما يؤدي إلى طردها من العمل وابتعادها عن العائلة والأصدقاء، لتلجأ إلى معالج نفسي لاستعادة حياتها السابقة.

- المسرحية تسلط الضوء على فكرة أن الكفاءة اللغوية قد تؤدي إلى التهميش، وتتناول تدهور اللغة في المجتمعات وتأثير ثقافة الصورة والمؤامرات السياسية على تغيير المفاهيم وخلق حقائق بديلة.

- يدافع كاباييرو عن اللغة كملكة إنسانية مرتبطة بالأدب والفلسفة، مشككًا في الممارسات التي أدت إلى تدهور هذا الإرث الإنساني المهم.

بشكّل غير متوقَّع، ومن دون سبب واضح، يقع رفٌّ مليء بكتب القواعد النحوية الخاصّة باللغة الإسبانية على رأس عاملة التنظيف شبه الأميّة، والتي تعمل في "الأكاديمية المَلكية للغة الإسبانية"، لتتغيّر حياتها إلى الأبد، لكن إلى الأسوأ. ستتسبّب هذه الحادثة "اللغوية" في تحوُّل العاملة من امرأة تُعبّر عن نفسها بأسلوب فجّ وبأخطاء نحوية إلى عالمة لغة مثالية وضليعة بكلّ تفاصيل اللغة. وهذا التحوّل اللغوي سيجعلها تعيش في حالة قلقٍ وغضب دائمَين، لا سيّما عندما تتعرّض لمواقف اجتماعية تتحدّث فيها مع أشخاص يشوّهون اللغة ويرتكبون أخطاء جسمية.

هذه المثالية اللغوية ستؤدي إلى طردها من العمل، وإلى ابتعادها عن العائلة والأصدقاء. بالمحصّلة ستشعر أنّ اللغة تسبّبت بكارثة في حياتها. وهكذا تقرّر أن تلجأ إلى معالج نفسي لمساعدتها على العودة إلى الشخص الذي كانت عليه قبل الحادثة؛ ذلك الشخص الذي يقول الأشياء بطريقة فظّة ووقحة، وبالكاد يمتلك قاموساً لغوياً خاصّاً به.

هذه هي حبكة مسرحية "قواعد" للكاتب والمُخرج المسرحي الإسباني إرنستو كاباييرو، والتي تُعرض حالياً على خشبة "ماتديدرو" في مدريد، وتتواصل حتّى التاسع والعشرين من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل.

في قالب كوميدي ساخرٍ، يحاول كاباييرو تقديم عمل يدافع فيه عن المَلَكة الوحيدة التي تجعل من الإنسان إنساناً؛ أي اللغة، من دون توجيه أيّة إدانة طبقية أو نخبوية، مسلّطاً الضوء على فكرةٍ مفادها أنّ الكفاءة اللغوية يمكن أن تُولِّد التهميش، مع تلميحات، في حكاية يمكن أن تكون واقعية، حول حدود اللغة في المجتمعات التي نعيش فيها، وبالتالي حدود عالمنا الإنساني.

توجُّه لتغيير المفاهيم وعدم تسمية الأشياء بأسمائها لخلق حقائق بديلة

من خلال الحوار بين عاملة التنظيف والمعالج النفسي، تفتح المسرحية نافذةً للتساؤل والتأمُّل حول تدهور اللغة في المجتمعات، والذي يحاول كاتب العمل ومُخرجه تتبُّع مساره، فتارةً سنكتشف أنّ ثقافة الصورة التي تحلّ مكان الكلمة هي ما يقف وراء تدهور اللغة، وتارةً أُخرى سنجد أنّ هناك مؤامرات سياسية عالمية تهدف إلى تغيير المفاهيم وعدم تسمية الأشياء بأسمائها لخلق حقائق بديلة.

غير أن تدهور اللغة، كما تُشير المسرحية، مرتبط أيضاً بانحطاطات أُخرى؛ اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وأخلاقية بالدرجة الأُولى، وهذا مرتبط أيضاً بمجتمعات الاستهلاك والسياسات الليبرالية الجديدة والرأسمالية التي تحاول فرض طريقة كلام أو استخدامات لغوية جديدة، أو في أحسن الأحوال إضفاء طابع ديمقراطي زائف على طرق التعبير السياسية والثقافية والفنّية.  

من خلال المسرح، يدافع إرنستو كاباييرو عن اللغة التي يربطها بالأدب والفلسفة والشعر، وفي الوقت نفسه يشكّك في الاستعمالات والممارسات التي أدّت إلى تدهور ذلك الإرث الإنساني الذي يُعدّ التعبير الأوّل عن هويات وثقافات الشعوب والأمم.

المساهمون