يمكن القول إنَّ قصورَ الحمراء في غرناطة هي هندسة نصوص معمارية. إنَّها نصوص تستدعي القراءة، وليس المشاهدة والتأمُّل فحسب. فالكلمة تندمج في الزخرُف، وتتحوَّل إلى هيكل بناءٍ، مُعيدةً في الوقت نفسه إنتاج رموز مملكة بَني نَصر، ومبرزةً لنا مفهومها الجمالي لفن العمارة، كما فهمه معماريو ذلك الصرح الأندلسي العظيم.
وكما هي الحال في العديد من المباني والأعمال الفنيَّة الإسلامية الأخرى التي بنيت في الأندلس، فإنَّ نقوش الحمراء وقصائده تحاكي موضوعات عديدة كالقدرة الإلهية المطلقة وعلاقتها بالحكومة الأرضية، إضافة إلى موضوعات الشعر والتصوير المعماري الأدبي المتكامل، الذي يلخّص المُثُل المعمارية الأساسية، التي سكبتها الثقافة العربية الإسلاميَّة الكلاسيكية في المباني الملكية.
"حمراء غرناطة: الخط، الشعر والهندسة المعمارية الطوباوية" هو عنوان المحاضرة التي يُلقيها الباحث والمستعرب وأستاذ الفن في "جامعة غرناطة"، خوسيه ميغيل بويرتا، وذلك في الثامن عشر من الشهر الجاري، في مؤسسة "الثقافات الثلاث" في إشبيلية.
يُعرف خوسيه ميغيل بويرتا في حقل الدراسات العربية والإسلامية بإسبانيا باسم "قارئ الحمراء". فقد أمضى ثلاثين عاماً، ولا يزال حتى الآن، يبحث في هذا الإرث الحضاري، وينفض الغبار، الذي راكمه التاريخ والسياسية، عن الأعمدة والجدران والنقوش التي تنبض جماليةً.
يسعى بويرتا في محاضرته إلى كشف العناصر الأساسية للخطاب الجماليّ الذي تعبِّر عنه قصائد الحمراء، وهو خطابٌ لا يقتصر على تناول العمل المعماريِّ فحسب، وإنَّما تناول طريقة التفكير في ما هو جميل، وفي الفنون في بلاط بَني نصر. كذلك سيربط بويرتا بين النقوش والكتابات الجدارية الموجودة على جدران الحمراء، والشعر والهندسة المعمارية، للتعبير عن جماليات الحمراء في سياقاتها التاريخية، والتي تجاهلتها القراءات الأوروبية.
يعقب المحاضرة عرض فيلم "بناة الحمراء" للمخرجة إيزابيل فرنانديث، والذي يتناول، بطريقة رائدة تتراوح بين التوثيق والخيال، الأسباب التي أدت إلى تشييد القصور الناصرية بغرناطة، وينطلق من الحوليات التي كتبها وزير وشاعر ملوك غرناطة، ابن الخطيب، في القرن الرابع عشر.