استمع إلى الملخص
- يُعرف أونفري بتقلباته السياسية ودعمه الثابت للصهيونية، مع مواقف مثيرة للجدل تجاه الإسلام والمسلمين، ويُنتقد لاستخدامه الفلسفة في تمرير أجندات سياسية.
- يُمثل أونفري جزءًا من ظاهرة استغلال الفلسفة لخدمة أجندات سياسية، مثل تبرير السياسات الصهيونية وتشويه صورة الإسلام، مما يُثير الجدل حول دور الفلسفة والمفكرين في المجتمعات المعاصرة.
فرنسا اليوم متخمة بالمتفلسفين الذين يكتبون بإسهال كبير يحسدهم عليه كبار الفلاسفة عبر التاريخ. ميشال أونفري الذي أطلق على نفسه لقب فيلسوف هو أحدهم. ميشال أونفري يكتب مثلما يتكلّم، وبنفس السرعة. للرجل مائة وأربعون كتاباً؛ كما لو أنّه يملك جهازاً يُسجّل أدنى كلمة ينبس بها، وهو لا يترك أيّ صوت يصدر عنه يفلت من التسجيل الرقمي والمعالجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهو كما لو أنّه لا يكفّ عن الكتابة حتى وهو يغطّ في النوم.
تستطيع أن تقول إنّه رائد الكتب الشفوية التي انتشرت اليوم. ولا يقلّ أيّ كتاب يُصدره عن مئتَي صفحة؛ بحيث يبدو المسكين هيراقليطس إلى جواره ضئيلاً مثل الكائنات الميكروسكوبية بشذراته التي لا تتجاوز السبعين شذرة، والتي مضت عليها 2500 سنة وهي فاعلة ودينامية في تاريخ الفلسفة الغربية، وكذلك إيبكتيكوس بشذراته الحكمية القليلة.
كتبه كما وصفها عالم النفس الفرنسي نوربار شاتيون هي تنويعات مضخّمة على ثيمات مقرَّر طلبة الفلسفة بدعوى تقريب الفلسفة من الشعب؛ وفي هذا السياق أسّس سنة 2002 "الجامعة الشعبية".
كتب الصحافي الفرنسي لوران جوفري أنّ أونفري اليساري يتنقّل من اليسار ليتقرّب من "الجبهة الوطنية" ومارين لوبان.
هكذا هو ميشال أونفري يتنقّل بيسر وبلا حياء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. الثابت لديه هو الدفاع عن الصهيونية، وشيطنة الإسلام والمسلمين حتى أطلقوا عليه لقب دوّارة الريح؛ فهو يدور حيث تدور الرياح، وهو ينحت مفاهيم هي عبارة عن صياغات لغوية خاوية، أو كما يقول عنه لوران جوفران: يُثير أيّ موضوع أو قضيةٍ المهمّ أن يتحوّل ما يكتبه إلى رغوة... ينحت ألفاظاً وتراكيب يسوقها كمفاهيم، ومن خلال هذا النحت اللغوي يُمرّر مواقف سياسية تخدم أجندته الصهيونية. في الأخير أفكاره عبارة عن كائنات مختلقة ومتخيَّلة، وقد يلتقطها أحد أساتذة الفلسفة في جامعة تونسية أو جزائرية أو مغربية، ويقدّمها لطلبته كأحد مظاهر فكر ما بعد الحداثة.
وعناوين كتبه تُحيل إلى عناوين كتب أساسية في تاريخ الفلسفة؛ مثل "رسالة في اللاهوت والسياسة" لسبينوزا أو "غروب الآلهة" لنيتشه، فيكتب "غروب المعبود" في نقد فرويد.
يكتب ميشال أونفري أنّه صهيوني، وهي الثابتة الوحيدة لديه
والرجل في حقيقته صناعة من إنتاج الميديا. وهو لا يترك منبراً أو قناة تلفزيونية، أو قضية إلّا ويكون حاضراً فيها/ ولكنه يقضي وقته في تل أبيب، ويكتب أنّه صهيوني، وهي الثابتة الوحيدة لديه، وأوجد نظرية جديدة يقول فيها: "لقد دخلنا المرحلة الثالثة من معاداة السامية (…) اليوم جاء وقت صيغتها الجديدة وهي معاداة الصهيونية التي تسمح بدعوة كراهية شعب إسرائيل منذ عام 1948. هذه الفكرة التقطها ماكرون، وظلّ يكررها".
ويقول في أحد تصريحاته التلفزيونية إنّه لابدّ من التخلّص الفيزيائي من أعداء "إسرائيل"، مبرّراً بذلك عملية التطهير العرقي في غزّة.
كلُّ خطاب الرجل دفاع عن الكيان الصهيوني مغلّفٌ بلغة فلسفية. وهو في هذا استمرارٌ لمن يُسمّون أنفسهم "الفلاسفة الجدد"؛ مثله مثل الفيلسوف الآخر الذي هو ليس بفيلسوف، برنار هنري ليفي، وقد عملا لفترة معاً، وكذلك آلان فينكلكروت الذي يدافع على الكيان الصهيوني ويدعو إلى قتل الفلسطينيّين مثل ميشال أونفري ولوك فيري، يُشهّر بالمسلمين ويأخذ على "حماس" كرهها "إسرائيل"، مما يعني أنّ على "حماس" أن تُحبّ "إسرائيل". هل أنا أحلم أم هذا هو الواقع؟
جيش كامل من جنود الخفاء كما نقول في تراثنا... أطفالٌ ذهبيون يخدمون الصهيونية بغطاء فلسفي كما فعل قبلهم إيمانويل ليفيناس في شيطنة الفلسفة الألمانية. وليفيناس مثل جيل كيبيل، مستشار الإليزيه الذي يسوّق نفسه مستشرقاً ولدى قراءة بعض ما كتب تكتشف مدى جهل الرجل باللسان العربي. جاء كيبل إلى تونس، وسار وراءه الحداثيون التونسيون ليقبسوا من علمه، هُم أحفاد علي بن زياد الذي نشر المذهب المالكي من القيروان إلى قرطبة وصل بهم الهوان الكولونيالي إلى الاستماع لهذا المخرّف. لقد كتب بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من "طوفان الأقصى" كتاباً بعنوان "الهيلوكوست في صيغة الجمع" (يقصد "طوفان الأقصى") كشف فيه عن وجهه الحاقد البشع.
نحتٌ لغوي يُمرّر مواقف سياسية تخدم الأجندة الصهيونية
ولوك فيري، الذي يهاجم بخبث الفاشي بن غفير ونتنياهو لأنّهما لم يحافظا على صورة الصهيوني الضحية، هو أيضاً يسوّق نفسه فيلسوفاً، ويقول إنّ شقيقه فيلسوف هو أيضاً. وهكذا نشهد أوّل مرّة في التاريخ عائلة فلسفية في عصر عهر الميديا. كلّ شيء ممكن ومباح. أتذكّر امرأة تشتغل بالخياطة رشّحت نفسها للانتخابات الرئاسية في تونس. تونس بلد بورقيبة أوّل المطبّعين، والأستاذ يوسف الصدّيق أوّل من قرأ القرآن منذ أربعة عشرة قرناً، وهذا الرجل جزء من الحملة الصهيوغربية على الإسلام والمسلمين.
وأعود إلى لوك فيري الذي يذهب في البواخر لإلقاء محاضرات مدفوعة الأجر، ويشرف على رسائل طلبة تونس والجزائر والمغرب، ويرسلهم إلى "إسرائيل" دولة الديمقراطية والحداثة والتطهير العرقي... وهو سوقي، يشتم الشرطة في الشوارع ويقول لهم إنّه وزير سابق فيرفعون عليه قضية في المحاكم الفرنسية. وقد عُيّن وزيراً ليضع برامج تشيطن الإسلام والمسلمين كما فعل زين العابدين بن علي ذات سنة عندما عيّن محمد الشرفي وزيراً للتعليم لإفراغ البرامج من كلّ ما يمتّ بصلة إلى الهوية العربية الإسلامية، وكان على تواصل دائم بالملحق الثقافي الفرنسي أيّامها جون كلود بييت الذي عرفتُه في بيت لوران غسبار، وحدّثني بكثير من الإعجاب عن الدور الذي يقوم به محمّد الشرفي في غسل عقول الأطفال التونسيّين من "دنس الرجعية الإسلامية"!
* شاعر ومترجم تونسي مقيم في أمستردام