في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017، رحلت سارة ماغواير بعد صراع طويل مع المرض الخبيث الذي أنهى حياة ثرية ومتعدّدة؛ كتابة القصيدة التي تشتبك مع الراهن لكنها لا تذهب نحو المباشرة، والترجمة باعتبارها أداةً للحوار والتعارف بين ثقافات العالم، ما جعلها تنحاز إلى تجارب شِعرية عديدة في "العالم الثالث"، والعالم العربي تحديداً، وتحرص على نقلها للإنكليزية.
من عَالم النبات أتت الشاعرة والمترجمة والمذيعة البريطانية، من أصل أيرلندي، لتبقى مخلصة لمهنة البستنة التي اشتغلت بها، تراقب بتمهّل كيف تنمو الأزهار وتهتمّ بتاريخ الحدائق في الحضارات القديمة، وتتأمَّل ارتباطها بالفلسفة والمعتقدات، وتوظّف مفردات تخصّ علومها في العديد من قصائدها.
تجربةٌ حقيقية تُستذكر مع الإعلان عن الفائز بالجائزة التي تحمل اسمها مساء غد الثلاثاء في لندن، وتُمنح كلّ عامين لأفضل كتاب شعري لشاعر على قيد الحياة من أفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية، وضمّت قائمتها القصيرة لدورة هذا العام عملَيْن من اللغة العربية لكلّ من الشاعر والروائي السوري سليم بركات، والزميل الشاعر الفلسطيني نجوان درويش، إلى جانب أربعة أعمال أُخرى نُقلت إلى الإنكليزية من الكورية والإسبانية والفرنسية.
الجائزة العالمية الأبرز للشعر المترجم في بريطانيا
ويترشّح كتاب درويش "تَعِب المُعلَّقون" (Exhausted on the Cross، أو "مُرهَقون على الصليب"، بالإنكليزية)، الذي صدر العام الماضي، بترجمة الكاتب والمترجم الأميركي من أصل مصري كريم جيمس أبو زيد، عن دار نشر "نيويورك ريفيو بوكس"، وكذلك مختارات من شعر بركات ترجمتها الناقدة والأكاديمية اللبنانية هدى فخر الدين برفقة جايسون إيوين، وصدرت العام الماضي ايضاً عن منشورات "سيغل بوكس" تحت عنوان Come, Take a Gentle Stab ("تعالي إلى طعنةٍ هادئة").
وجاء في بيان لجنة التحكيم حول كتاب بركات: "يضمّ 'تعالي إلى طعنة هادئة' مجموعة من الأعمال التي كتبها الشاعر السوري الكردي المعروف سليم بركات على مدى خمسة عقود. ورغم أن لغته الأم هي الكردية، إلّا أن بركات يكتب قصائده بالعربية، وهي قصائد غالباً ما تقوم على أفكار حول الصراع، والعنف، والهوية. وتنقل ترجماتُ فخر الدين وإيوين، بنجاح، إلى الفضاء الأنغلوفوني، ذلك التدفّق الإبداعي الخاصّ بسليم بركات".
وعن مجموعة الزميل نجوان درويش، قالت لجنة التحكيم: "'تِعبَ المُعَلَّقون' مجموعةٌ رائعة لواحد من أفضل الشعراء المعاصرين في الشرق الأوسط. تُعيد قصائد درويش الأنيقة الحياةَ إلى ثيمات التهجير والإيمان والصراع؛ وهي قصائد نُقلت ببراعة في ترجمة كريم جيمس أبو زيد".
زياراتها إلى فلسطين عام 1996 جعلتها مهمومة بالسياسة
أما الأعمال المترجمة من اللغات الأخرى فهي: "هجرات: قصيدة، 1976 ـ 2020" للمكسيكية غلوريا غيرفيتز بترجمة مارك شافر، و"فانيليا غير متوقّعة" للكورية الجنوبية لي هيامي بترجمة سوجه، و"النهرُ في المعِدة" للكونغولي فيستون موانزا موجيلا بترجمة ج. بريت ماني، و"مخزن للنجوم" للموريسي خال تُرابولّي بترجمة نانسي ناومي كارلسون.
"جائزة سارة ماغواير للشعر المترجم" تأسّست بعد عامين على رحيل الشاعرة، التي تركت أربع مجموعات شعرية، هي: "حليب مُراق" (1991)، و"الراتقة الخفية" (1997)، و"بائع الأزهار في منتصف الليل" (2001)، و"زمان قندهار" (2007)، التي تميّزت بكثافة الخيال الغنائي وعمقها المعرفيّ والسياسي.
تنظر سارة ماغواير إلى القصيدة كونها فضاء واسعا ومترابطا بين عناصر مثل العمل والتجارة وحركة المرور، وحركة القمر والمد والجزر، بالإضافة إلى المواد الكيميائية والمناظر الطبيعية والطقس والأشخاص والمباني والآلات، وتغيّرات الزمن ودلالاته، ومعاني الشوق والحب والضياع، وعبّرت في جميع ذلك عن موقف تجاه السياسة والمجتمع منذ قصيدتها الأولى "عيد العمّال" التي كتبتها عام 1986، وتدفّقت سطورها لتتحدث عن أكثر التجارب حميمية، وتقرير الطقس، ومشاهد من الحديقة، وكذلك عن أزمات عالمية مثل كارثة تشيرنوبل، والروائية الإنكليزية جين أوستن، وأصدقائها في بولندا.
ستة أعمال بينها عملان عربيان يُعلن غداً عن الفائز من بينها
في قصيدة "الياسمين في اليمن" من مجموعة "حليب مراق" التي ترجمها الشاعر العراقي سعدي يوسف، تقول سارة ماغواير:
"في جلبة صلاة الجمعة
ألقى رجل ذو جنبية وخد منتفخ بالقات
طوقَ ياسمين
من خلل النافذة المحطمة للسيارة.
حظ وصداقة
قلادة موات مسكرة
التفّت حول كتفي،
أزهارها الحريفة
تعارك رائحة الغاز العادم والزيت المستنفد،
ورعب اللحم المنتفخ
من طاعون أكياس اللدائن الوردية.
سرعان ما تذوي الأزهار وتتساقط.
حلقة سلك تُركت معلّقة من مقبض باب.
بتلات ضائعة حيث شردت
من الشرفة الى غرفة النوم".
كتابة الشعر جاءت بعد رحلة طويلة تخلّلتها محطّات بارزة، منها زياراتها إلى فلسطين عام 1996 التي خلقت لديها تأثيراً إيجابياً وجعلتها مهمومة بالسياسة، وفق تصريحات سابقة، وهناك بدأت اتصالها مع شعراء فلسطينيين، من بينهم محمود درويش، ثم عملت على تقديم ترجمات للإنكليزية من الشعر الفلسطيني.
أسست سارة ماغواير "مركز ترجمة الشعر" Poetry Translation Centre عام 2004 ساهمت خلاله في إدخال مجموعة واسعة من الشعراء من ثقافات مختلفة إلى اللغة الإنكليزية وإبراز تجاربهم من منظور جمالي وثقافي، في تكريس لمقولتها بأن "الترجمة نقيض الحرب" وسعيها إلى تمكين العلاقات بين اللغويين والشعراء، والتي تشكّل الجائزة التي تحمل اسمها - وهي الأبرز اليوم في بريطانيا للشعر المترجم - امتداداً لهذه التصوّرات.