كانت أحاديث اجتماعات "اتحاد كُتَّاب آسيا وأفريقيا" بأربع لغات (العربية والفرنسية والروسية والإنكليزية) وكان حديثي فيها كالتالي:
"الأصدقاء الأعزاء... لن آخذ كثيراً من وقتكم، فقط سأذكرُ لهيئة الاتحاد بعضاً من أمنياتي ونقدي أيضاً. لقد شاركتُ لأربع مرّات في اجتماعات لجنة "اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا"، ورأيتُ أنّ بعض الكُتّاب يشاركون بشكل فرديّ حيث يُدعَون بهذا الشكل. ولكنْ، إذا شارك الكاتب باعتباره ممثّلاً لاتحاد الكُتّاب في بلاده، فسيكون مسؤولاً عن تمثيل هذا الاتحاد الذي أرسله بالنيابة عن جميع أعضائه، وهكذا سيكون لديه الحقّ في نقد "اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا"، وسيكون مسؤولاً أيضاً في الاتحاد. أمّا إذا حضر بشكل فرديّ فسيكون مجرّد ضيف، والضيف لا يمكنه تجاوز الحدود في النّقد. وكما تعلمون، فإنّ كلّ المؤسّسات الثقافيّة بحاجة إلى النّقد، ولذلك أوّل ما أطلبُه منكم ألّا يُدعى الكُتّاب بشكل فردي.
أريد أن أعرض عليكم مثالاً للكاتب عندما يشارك في اجتماعات "اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا" ممثّلاً لاتحاد الكُتّاب في بلاده، وكيف يكون فعّالاً وصاحب مسؤوليّة بهذا الشكل. توجد في تركيا نقابة للكُتّاب الأتراك وأنا رئيسها. وقد اقترحتُ على مجلس إدارة النّقابة أن تصبح النقابة عضواً في "اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا"، وسألوني عن السبب، فقلتُ: "إن هذا الاتّحاد يتكوّن من كُتّاب من آسيا وأفريقيا وهو مؤسّسة تقدميّة عالميّة".
ثم سألوني هذه الأسئلة: "لقد عقد اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا اجتماعاً في مانيلا بالفيليبّين عام 1975، وفي هذا العام أعطوك "جائزة لوتس". والعالم كلّه يعرف دكتاتوريّة الفيليبّين، ألا يوجد كُتّاب مسلمون في هذا الاتحاد أو على الأقل جاؤوا من بلد مسلم، ألا يعرفون أنّ وقت عقدهم للاجتماع كان الدكتاتور فرديناند ماركوس يقتل المسلمين في بلاده؟ وبالتأكيد شارك في هذا الاجتماع أيضاً كتّاب شيوعيّون أو على الأقل جاؤوا من بلاد شيوعيّة، ألم يسمعوا بقتل هذا الدكتاتور للشيوعيّين في بلاده؟ وهناك كُتّاب ليبراليون أيضاً شاركوا في هذا الاجتماع بالتأكيد، لقد أغلق هذا الدكتاتور الأحزاب الليبراليّة وقام بسجن الليبراليّين ونفيهم.
المؤسّسات الثقافية بحاجة إلى من ينقدها لا إلى ضيوف
يوجد بالتأكيد كُتّاب مؤمنون بالإنسانيّة، وشاركوا في هذا الاجتماع، كان ينبغي على الأقل ألّا يوافق هؤلاء على قتل المسلمين والشيوعيّين وسجن ونفي الليبراليّين. بالتأكيد من الجيّد أن تشاركَ نقابة الكُتّاب الأتراك في "اتّحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا"، ولكن يجب أن نعرف أوّلاً لماذا عقدوا اجتماعهم عام 1975 في مانيلا؟". هكذا سألني أصدقائي في النقابة، ولم أستطع أن أجيبهم إجابة كافية، لأنني لا أعرف الإجابة أيضاً.
الطلب الثاني:
شاهدتُ في كلّ الاجتماعات التي شاركتُ فيها للاتحاد العديد من النقاشات، حول الأحداث السياسية التي تجري في كلّ العالم تقريباً، لكنّني لم أسمع حديثاً واحداً عن مشاكل الكُتّاب أنفسهم، وأريد أن أذكر مثالاً على ذلك. إنني لم أر في الفيليبّين أو حتى هنا كاتباً إيرانيّاً واحداً، ألم يُدع أيُّ كاتب من إيران، أم أنكم دعوتم كُتّاباً من هناك ولم يشاركوا؟ أريد أن أعرف سبب ذلك، لأنّ كثيراً من الكُتّاب الإيرانيين في السجون الآن، وقسماً آخر في المنافي أو تحت ضغوط عديدة في بلاده.
لا شيء يعطي الكاتب السجين أملاً كتضامن المثقفين معه
يوجد من بين أصدقائنا الكُتّاب الإيرانيين من يُقتل الآن، مثلًا، قُتل الكاتب صمد بهرنجي. فهل سبب عدم مشاركة الكُتّاب الإيرانيين هو ضغط النظام الإيراني؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذه ضمن مشاكلنا ككُتّاب، ويجب أن نتحدث عن هذا النوع من المشاكل أيضاً، وأن نلعب دوراً مهماً في هذا السياق، بأن نُسمع العالم أصواتنا ونريه ردود أفعالنا حول ما يتعرض له أصدقاؤنا الكُتّاب. ربّما يحدث هذا أيضاً مع كُتّاب من بلاد أخرى أو سوف يحدث.
إنّني أؤمن أنّ أصدقائي الكُتّاب في هذا الاجتماع قد مرّوا جميعاً بظروف قاسية في بلادهم، كالسجن وغيره، حتى استطاعوا بعد ذلك أن يصبحوا كُتّاباً كباراً ويشاركوا في تكوين الرأي العام في بلادهم. ولذلك فأنتم تعلمون جيداً أن تضامن المؤسسات العالمية مع الكاتب السجين تُكسبه قوة في سجنه وتعطيه أملاً في ظلّ ما يتعرض له، ونحن نعرف جميعاً ما يتعرض له الكُتّاب في سجون بلادنا.
الطلب الثالث:
إنّني أرى أنّ أعباء اجتماعات الاتحاد كلّها يحملها أصدقاؤنا من الكُتّاب المصريّين، وهم يقومون بذلك على أكمل وجه، ولكنْ برأيي، لكي يعمل الاتحاد بشكل جيد، يجب أن يتحمل بقية الكُتّاب هذه المسؤولية. لا أستطيع أن أتحدث الآن عن كيفية تطبيق ذلك، إلّا أنّ تقسيم العمل على الجميع سيجعل من "اتحاد كُتّاب آسيا وأفريقيا" مؤسّسة أكثر فاعليّة. أريد أن أعترف لكم بالخطأ الذي ارتكبته، إنني ككاتب حصل على "جائزة لوتس"، فإنني لم أكن أعرف أي شيء عن التفاصيل المتعلقة بهذه الجائزة، ولا حتّى لجنة التحكيم. كان يجب توضيح المعايير التي تُمنح الجائزة على أساسها منذ البداية، وإذا لم تكن هناك معايير فيجب أن تُوضع على الفور.
استمعتُ لأحاديث عن السياسة ولم أسمع عن مشاكل الكُتّاب
وكما تعلمون، فإنّ جوائز الكتابة بشكل عامّ تكون من أجل غايتين؛ الأولى أن تُمنح للكُتّاب الشباب من أجل تشجيعهم على الكتابة، والثانية لتكريم الكُتّاب الكبار في السنّ على ما قدّموه طوال حياتهم. وإذا كانت "جائزة لوتس" تُمنح من أجل الغاية الثانية، فإن إعطاءها لأكثر من ثلاث مرات في السنة يصبح بلا معنى، لأنّه يقلّل من قيمة الجائزة ويجعل العالم ينظر إليها كجائزة سهلة. برأيي يجب أن تُمنح مرة واحدة في العام أو حتى مرة واحدة كلّ عامين، وأن تُرفَع القيمة الماديّة للجائزة أيضاً. ومن الممكن خارج ذلك أن يكون هناك جائزة أخرى لتشجيع الكُتّاب الشباب غير جائزة لوتس، وهذه من الممكن أن تُمنح لأكثر من مرة في العام، وبرأيي، لن يكون هناك أيّة مشكلة في ذلك.
شكراً لكم على حسن استماعكم، ونلتقي في الاجتماعات القادمة".
* فصل من كتاب "الدنيا قِدرٌ كبيرٌ وأنا مِغرفة: رحلة مصر والعراق" الحاصل على "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" (2021 - 2020) في فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم - الرحلة الصحافية" بترجمة: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير، ويصدر في الأشهر القادمة.