"فينو" لعاصم واقف: "موعظة" الفنان لجمهوره

02 اغسطس 2023
من المعرض
+ الخط -

في سياق احتجاجه على انفصال الفنّ الهندي المُعاصر عن الجمهور، قدّم عاصم واقف الذي درَس العمارة والتصميم، تركيبه الأول من الخيزران عام 2005، تناول فيه موضوعاتٍ تتعلّق بتلوّث البيئة والتفاوت الطبقي في المدن الحديثة وتأثير التكنولوجيا، والتساؤل حول القيمة وانعدامها في النظام الرأسمالي.

ومن أجل إبراز رؤيته التي وصفها البعض بالرومانسية التقليدية، نفّذ الفنّان معظم أعماله وعرَضها في الفضاءات العامّة، أو في مواقع أثريّة، أو بالقرب من الأنهار وساحات المدن، لكن الأهمّ من ذلك كلّه، كان الاعتماد على نجّارِين وصانعي السلال والمنسوجات في تصميم أعمال تعتمد على إحياء الحِرف التقليدية من منظور مُعاصر، ويشارك في تنفيذها معماريّون ورسامون وفنّيو صوت وصانعو أفلام. 

حتى الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر المُقبل، يتواصل في "غاليري هايوارد" بلندن، معرض "فينو" لعاصم واقف، والذي افتُتح في العشرين من الشهر الماضي، ويتضمّن تركيباً ضخماً من أخشاب شجر البامبو وقضباناً معدنية يُمكن أن يسير الزوّار بينها فيما يستمعون إلى أصواتٍ تنطلق من آلات موسيقية مُصنَّعة من البامبو أيضاً.

كشف التناقض الذي يعيشه الإنسان المعاصر مع بيئة مدينته

على عارضة خشبية في التركيب، اقتبس الفنان الهندي عبارة من رواية "موعظة الزارع" (1993)، لكاتبة الخيال العِلمي الأميركية من أصل أفريقي أوكتافيا بتلر (1947 - 2006)، تُشير إلى عالَمٍ لم يعد مستقرّاً بفعل تغيّرات المناخ، وتزايد عدم المساواة في توزيع الثروات، وجشع الشركات متعدّدة الجنسيات، إذ لا بديل إلّا بالعودة إلى البذور وزراعتها.

يتناقض الشكل العضوي للعمل مع الواجهة الخرسانية للغاليري، في محاولة من الفنان الهندي لِلَفْتِ الانتباه أيضاً إلى تلك الفروق والتشوّهات في الفضاءات الحضَرية بمعظم مدن العالَم، وفي أثناء الوصول إليه يُطالع الزائر علامات الخطر برتقالية اللّون، التي تُوضع غالباً حول ورش البناء للتحذير من الاقتراب منها، بالإضافة إلى قُبّعات واقية ونظّارات السلامة التي يجب ارتداؤها للتّفاعل مع العمل.

من المعرض
من المعرض

وعلى كلّ زائر الانتباه إلى رأسه الذي يحنيه بينما يسير داخل العمل، حيث عليه أن يمرّ عبر هياكل خشبية مائلة تبدو غير ثابتة وسلالم مُعلّقة، كما تضغط القدمان أثناء سيرهما على أرضية غير مستوية، في محاكاة لذلك التناقض الذي يعيشه الإنسان المعاصر مع بيئة مدينته.

يبحث واقف عن أنماطٍ مختلفة من الاستدامة في البيئات التي نسكنها، لذلك لجأ، في معارض سابقة، إلى ممارسة كانت تقوم بها جدّته التي "لن ترمي شيئاً أبداً"، على حدّ وصفه، في إشارة لاستخدام الأشياء من حولنا مراراً وتكراراً وعدم التخلّص منها، كما يفعل عادةً النظام الرأسمالي الذي يهدف إلى استهلاك المواد كلّها في فترة قصيرة جداً من أجل تغييرها، بما يدرّ أرباحاً طائلة على الشركات المُنتجة، وهو ما يطلق عليه واقف "التقادُم المُخطّط له".

إلقاءُ القمامة بشكلٍ مستمرٍ يعني التخلّص من الأشياء ونسيانها، بحسب واقف، الذي يُنبّه إلى مسألة أُخرى تتصل في عدم تقدير "القيمة" التي لا تزال تحتفظ بها هذه الأشياء التي تمّ إلقاؤها بعيداً، أي إنّ النظام الرأسمالي هو وحده مَن يُقرّر قيمة كلّ شيء ومتى تنعدم هذه القيمة، ما جعله يفكّر في إعادة تشكيل القمامة ومنحها قيمةً إضافية. وهي بالمُصادفة تتصل بفكرة أصيلة أيضاً تتعلّق بمفهوم العمل الفني، ليس وفق حسابات السوق وصالات العرض، إنما ما يتوافق عليه الفنان وجمهوره وحدهما.

المساهمون