لا تزال "هِبة قسطنطين" الخبر الزائف، أو "الفيك نيوز" الأكبر -كما يقال في أيامنا هذه- الذي حدث في العصور الوسطى. ويقال إنه كان عبارة عن وثيقة مزوّرة قدّم بموجبها الإمبراطور قسطنطين الأكبر مميزات وممتلكات لا يتصوّرها عقل للبابا وللكنيسة، والتي كانت فيما بعد ذريعة لإضفاء الشرعية على التطلّعات السياسية المتزايدة للباباوات خلال القرون الوسطى.
هناك من يتحدّث حتى اليوم عن أصول "الهِبة" ودوافعها وتبعياتها، ذلك أنّها أثرت، بشكل كبير، في الديناميات السياسية والدينية والاجتماعية للمؤسسة المسيحية اللاتينية. اكتُشفت حقيقة زيف الخبر في عام 1440، بسبب المفارقات التاريخية المتعددة التي احتوت عليها الوثيقة. ووفقاً للرأي السائد بين العلماء، فقد كُتبت الوثيقة في روما البابوية في النصف الثاني من القرن الثامن، أي بعد أكثر من 400 عام من وفاة قسطنطين.
مع هذا كله، وعلى الرغم من وجود الخبر الزائف قديماً واستخدامه لدوافع سياسية ودينية واجتماعية، فإن هذا المصطلح، حقيقة، لم ينتشر إلا في العقود الأخيرة، حتى إن كلمة "فيك نيوز" الإنكليزية (والتي تعني عربياً خبراً زائفاً أو كاذباً)، لم تشتهر إلّا في عام 2017، عندما اختارها قاموس "مولينز" كلمة العام، بالتزامن مع المعركة الانتخابية بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. لكن، هذا لا يلغي حقيقة أن الخبر الزائف قديم قدم الإنسان، على الرغم من أننا نميل إلى التفكير فوراً في عالمنا الحديث عندما نذكر هذا المصطلح.
اشتهر المصطلح في 2017، تزامناً مع معركة ترامب وهيلاري الانتخابية
ما الأخبار الزائفة؟ كيف تنتشر؟ وما الأدوات التي تُستخدم لصناعتها؟ كيف نستطيع اكتشافها ومكافحتها؟ عن هذه الأسئلة وغيرها يجيب معرض "فيك نيوز"، الذي يُقام حالياً في "مؤسسة تيلفونيكا" في مدريد، ويتواصل لغاية التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل.
يهدف المعرض إلى مراجعة ظاهرة الأخبار الزائفة عبر القرون، وعرض التأثيرات التي تُحدثها في مجتمعاتنا حالياً، لا سيّما في خضم العصر الرقمي، حيث ينشر ما يقارب 6000 خبرٍ كل ثانية، وهذا ما يجعلنا أكثر عرضة للتلاعب.
يبدأ المعرض بمقدمة تاريخية، تعرّفنا على البدايات الأولى للخبر الزائف، وكيف يجري إنتاجه ونقله، وقابلية عقولنا واستعدادها لاستقباله بسهولة. وعبر رحلة بصرية تمتد من العصور القديمة إلى الوقت الحاضر، تغطي المواد المعروضة الأكاذيبَ الكبرى للفترات التاريخية المختلفة، والتي تسير بالتوازي مع التطورات العلمية والتكنولوجية العظيمة.
هكذا، لن يستغرب الزائر عندما يرى التماثيل النصفية الرومانية القديمة جنباً إلى جانب إمكانية وضع وجه ميسي أو ويل سميث على الشاشة، ليشعر بالقوة الوهمية والمُربكة للكذب الرقميّ. وسيكتشف كيف ساهمت وسائل الإعلام الموجّهة في صناعة الخبر الكاذب وانتشاره، وزاد الطين بلّة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وظاهرة الذباب الإلكتروني، والظهور الأخير للذكاء الاصطناعي.
يتبنى القائمون على المعرض والفنانون المشاركون فيه، من خلال الأعمال المشاركة التي يبلغ عددها 120 عملاً فنياً، موقفاً مرشداً وإصلاحياً، حيث يخصصون جزءاً كبيراً من الأعمال المشاركة لإرشاد الزائر وتوجيهه في كيفية مكافحة المعلومات والأخبار الزائفة؛ والتي تعتبر واحدة من التحديات الرئيسية في القرن الحادي والعشرين.