كان فيكتور هوغو غزير الإنتاج في الرواية والمسرح والشعر، وكذلك في كتاباته السياسية الناقدة، لكن جانباً من إبداعاته لم يُلقَ عليه الضوء بالشكل الكافي، ممثَّلاً برسوماته التي عمل عليها بحماسة خلال سنوات المنفى، خلال حكم نابليون الثالث.
تعكس هذه الرسومات التي تتجاوز الأربعة آلاف، ونجا منها نحو ثلاثة آلاف، اهتمامات الروائي الفرنسي (1802 – 1885) بتقنيات الرسم وتعامله معها كفنان، إلا أنه لم يرد أن تشتّته عن الكتابة بوصفها مشروعاً أساسياً، حيث كان يرسم للعائلة والأصدقاء ولنفسه.
حتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يتواصل في بيت ومتحف فيكتور هوغو بباريس معرض "في حميمية العبقري" الذي افتُتح في العاشر من الشهر، ويضمّ حوالى مئتي رسم لهوغو قدّم بعضها بالحبر الغامق، واستخدم مواد تجريبية أخرى مثل القهوة والأصباغ والفحم.
على مدار خمسين عاماً، ظلّت عوالمه في الرسم مجهولة إلا من بعض المقرّبين منه قبل أن تكشف بعد رحيله بعد حوالى ثلاث سنوات، التي شكّلت موضع درس واهتمام من قبل النقّاد والمؤرخين، في محاولة للكشف عن تقاطعاتها مع كتاباته وحياته الشخصية، حيث تبدو حاضرة فيها، لكن من الصعب ربطها بدقّة مع النصوص التي كتبها في أثناء رسمه كل لوحة، أو آرائه ومواقفه السياسية والفكرية التي عبّر عنها أيضاً.
رغم عدم وضوح تلك التقاطعات، إلا أنه ينظر إلى رسوماته بكونها تعبيراً عن حالته المزاجية بسبب الاضطرابات السائدة في تلك الفترة، إذ انتخب هوغو نائباً عن باريس في الجمعية التأسيسية، ثم في الجمعية التشريعية، وقدّم دعمه للأمير لويس نابليون، الذي انتُخِب رئيساً في عام 1848، لكن تحوُّل لويس نابليون نحو نظام استبدادي، وتنصيب نفسه إمبراطوراً عام 1851، قادا الروائي إلى الهرب إلى بروكسل ومنها إلى جزيرتي جيرسي وجيرنسي في القنال الإنكليزي.
في تلك المرحلة، أظهر اندفاعاً كبيراً نحو الرسم، كما نرى في لوحة تتكاشف فيها الغيوم في السماء، بما ينذر بالسوء، وكأنها لحظة انبهار، لكن في لوحات أخرى تصبح الألوان والمناخات أكثر إشراقاً، في تعبيره عن أحلامه، مع تنويعات أخرى تعكسها أقسام المعرض الخمسة.
يضيء القسم الأول على الرسام سيليستين نانتويل (1813 – 1871) الذي كان قريباً من هوغو حين قرّر الأخير الرسم، والثاني يلقي نظرة على مرسمهما المشترك وبعض الرسومات التي نفّذها في البدايات، بينما يقدّم القسم الثالث أثر رحلاته وتنقلاته على فنّه، ويبرز الرابع أعمالاً مهداة إلى جولييت دروييه، عشيقته وأول جامع للوحاته، ويضمّ الخامس رسومات لعدد من القضاة والمحققين خلال محاكمة ساحرة، وتُعرض أيضاً الرسوم الكاركاتيرية التي رسمها في المرحلة الأخيرة من حياته، وخصصها للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام.
يُذكر أنّ معرضاً آخر لرسومات هوغو يُقام في "البانثيون" بباريس، ويتواصل حتى السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل، ويضم مجموعة من لوحاته إلى جانب صور كثيرة من جنازته وتفاعل الصحف والدوريات والمنظمات مع حدث رحيله وتفاصيل جنازته.