فندق القسطنطينية.. عن قرابة العائلة العثمانية بالإمبراطورية البيزنطية

26 مارس 2022
(زولفو ليفانلي)
+ الخط -

بقي البطريرك، الذي شرَّف الحفل بحضوره، حتى الساعة الحادية عشرة بين أصوات الموسيقى العالية، من باب المجاملة. لم يتحدث طوال الليلة إلا قليلاً مع السفير الأميركي، صاحب الدعوة ثم سكت. يبدو من ثيابه أنه رجل أجنبي، مع أنه وُلد في إسطنبول وهو مواطن تركي، وأكثر الحاضرين انتماءً لأن أجداده هم الذين أقاموا هذه المدينة.

كانت زوجة والد السلطان محمد الفاتح أرثوذكسية تُدعى مارا برانكوفيتش، ويجب أن يكون لها تأثير على الفاتح في تعلُّمه لليونانية واللاتينية، وأبحاثه عن تاريخ المسيحية. كان الفاتح يذهب أحياناً أثناء إقامة الشعائر في الكنيسة، كما كان يقرأ هوميروس، وقد زار قبر هكتور، إلا أن البطريرك كان عليه أن يسكت اليوم، لأن من حوله لم يكن لديهم معرفة بالتاريخ، حتى إنه لو قال لهم إنّ آل عثمان قد تزوجوا من البيزنطيين كما حدث العكس أيضاً، فلن يصدّقه أحد.

تحت التراب ثراءٌ غير عادي في هذه المدينة منذ آلاف السنين

وبينما كانوا يرقصون جميعاً، كان البطريرك يفكر: "إن أول إمبراطور أسس هذه المدينة هو قسطنطينوس، وكان آخر إمبراطور للمدينة يحمل نفس الاسم أيضاً، وأمّ كل واحد منهما كانت تدعى هيلينا، فكيف حدث هذا، ولماذا عيّن السلطان الفاتح اثنين من عائلة قسطنطينوس وزراء له بعد أن أخذ هذه المدينة، ألم يكن على السلطان المسلم أن يتخلص من هذه العائلة تماماً، وفي أي شيء كان يفكر، ولماذا وضع السلطان الفاتح شخصاً من أعيان البيزنطيين، صدراً أعظم له؟ لقد كان أورهان جدّ محمد الفاتح صهراً للإمبراطورية البيزنطية أيضاً، لماذا كان سلاطين بني عثمان يتزوجون من نساء أجنبيات دائماً، ولماذا بعد أن أخذ المسلمون هذه المدينة جعلوا المسيحيين يواصلون إدارتها، لماذا لم يذهب أي من السلاطين العثمانيين إلى الحج، والأهم من ذلك، لماذا لا يُوجّه المسؤولون مثل هذه الأسئلة إلى أنفسهم الآن؟".

كان البطريرك يحلم بأن يكون قد تعرّف على السلطان الفاتح وتحدث معه عن هوميروس.

كان البطريرك ينظر أحياناً في الأجواء الممطرة من نافذة البطريركية، وهو يفكر أن هذه الأمطار تنزل تحت التراب لكي تبلّل العظام العزيزة. ولم يكن أهل إسطنبول الذين يهربون من المطر يلاحظون هذا، لكن البطريرك كان يفكر دائماً في أن هذه الأمطار تبلّل عظام قسطنطينوس الأكبر، وجوستينوس، وثيودورا، ومحمد الفاتح، وسليمان القانوني، والسلطانة حُرّم، وإبراهيم باشا، والسلطانة كوسم، ومئات الأولياء والأمراء والباشاوات، وشيوخ الإسلام، وملايين الفقراء والغرباء.

تحت التراب ثراءٌ غير عادي في هذه المدينة منذ آلاف السنين، لوجود الأمراء المقتولين صغاراً، ورؤساء وزراء مثل عدنان مندريس. ليس سهلاً فهم أفكار السلطان محمد الفاتح، الذي ظنّ وهو في سنّ الحادية والعشرين أنه الإمبراطور الجديد للشرق. وليست مصادفة، على الأغلب، أن يقيم محمد الفاتح مدرسة كبيرة محل كنيسة الرّسل المقدسة التي تضم قبور الأباطرة البيزنطيين، وأن يُدفن فيها بعد ذلك. كم هو غريب أن يُدفن في نفس مكان هؤلاء الأباطرة.


بطاقة

Zülfü Livaneli كاتب تركي وُلد عام 1946. يعَدّ من أبرز الأسماء التركية في مجالات الأدب والموسيقى والسينما، وحصل على العديد من الجوائز التركية والعالمية في هذه المجالات، مثل "جائزة البلقان الأدبية" عام 1997، و"جائزة أفضل كتاب" للعام في فرنسا وإيطاليا. تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، وبسبب أفكاره السياسية، سُجن عام 1972، وبعد خروجه عاش لسنوات طويلة في المنفى. يعيش في إسطنبول الآن، وما زال يمارس الكتابة الأدبية.

* ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير. والنص المقتطف هنا فصل من رواية "فندق القسطنطينية" التي تصدر قريباً عد "الأهلية"

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون