ملامح عن فلسطين في الخطاب الأدبي، وأسئلة حول الذات الفلسطينية فيه، وحول تمثيل القضية في الخطاب الاستشراقي الإسباني المعاصر: هذا ما جاءت به أوراق الباحثين الثلاثة الذين شاركوا، اليوم الإثنين، في ندوة "فلسطين في الخطاب الأدبي"، التي عُقدت على هامش اليوم الختامي من "المنتدى السنوي لفلسطين"، بتنظيم من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية".
مرايا الغريبة
رغم الثراء الذي يزخر به الأدب العربي في الكتابات السِيرية، سواء الذاتية أو الغيرية، فإنه لم يقابله ثراءٌ مماثل ولازم على المستوى التنظيري لهذه الممارسات الفنية. هذه مقولة عبد الرحمن أبو عابد، الكاتب والباحث الفلسطيني في العلوم الإنسانية، والتي افتتح بها ورقته التي حملت عنوان: "مرايا الغريبة: المكان والزمان وأسئلة الذات في السير الذاتية".
ووفق ما يرى، فإن تنظيرات السيَر دارت معظمها بين التوفيق والتلفيق لِما يجدّ في الأكاديمية غرب الأوروبية وشمال الأميركية من نقاشات، أبرزها نقاش الجنس الأدبي، وسؤال الذات الذي بدأ بمركزيتها وانتهى بزعزعتها، وصولاً إلى عولمة مفهوم كتابات الحياة.
في هذا السياق، يشير الباحث إلى أن السيَر الذاتية الفلسطينية تكثّف هذا التحدّي وتمنحه أبعاداً جديدة، خاصّة في مثاله الأبرز: سيرة حسين البرغوثي (1954 - 2002) التي حملت عنوان "سأكون بين اللوز". إذ انطلق المُحاضِر في قراءته لها من الممارسات السيرية في حقلها العربي عبر مفهومَي السيرة والترجمة: السيرة بتفعيلها فلسفياً ومنهجياً بإلزاماتها المكانية والزمانية والذاتية، وبين الذاتية والموضوعية؛ والترجمة بإلزامها التأويلي الكامن في دلالتها اللسانية والتراثية. ومع محاولة الجواب عن سؤال حضور الآخر في السير الذاتية، يدفع المحاضر بتقديم مقاربات نظرية جديدة لهذا الحقل البيني في العلوم الإنسانية.
سيرة ذاتية للمشرّدين
من ذات الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان (1917- 2003) إلى ذاتٍ جمْعية، تتبدّى سيرة طوقان الشخصية بما فيها من خاصية قد تجعل منها مرآة لذوات أخرى تتشابه في انكساراتها وأحلامها. هذا ما جال فيه أسعد الصالح، الأستاذ المشارك للأدب العربي ومدير الدراسات العليا في قسم لغات الشرق الأوسط وثقافاتها في "جامعة إنديانا بلومنغتون".
وقال في ورقته، "امرأة فلسطينية تبحث عن مكان: رحلة فدوى طوقان الجبلية"، إن كتابها المعنون بـ"رحلة جبلية: رحلة صعبة" والذي صدر عام 1990، هو سيرة ذاتية تصوّر معاناة امرأة فلسطينية لا يسمح اغترابها ونزوحها بأي إحساس بالملكية أو الاستقرار، على صعيد الذات أو الجسد أو العائلة أو الوطن.
وما اقترحه الصالح هو إعادة تفحّص النص وتمحيص كيف أن إحساس طوقان بالاغتراب، حتى حين كانت تتمتّع بامتياز العيش في فلسطين مع عائلتها، يتيح للنص أن يظهر كما لو أنه يسِم تجربة فلسطينية جمعية.
ورأى أن تفكيرها في حياتها ينطوي على تماهٍ مع بقية النساء الفلسطينيات، ما يخلق احتمال "إساءة" قراءة نصّها على أنه "وثيقة اجتماعية" ليس لحياتها، بل "لجيل كامل".
سعي لمقاربة نظرية جديدة لمكان السيرة الذاتية في العلوم الإنسانية
وبذا قدّم الصالح قراءة جديدة للنص في موضع يناسبه من السيرة الذاتية، ويسمّى السيرة الذاتية للمشرّدين أو المهجّرين، وهي سرد شبيه بالرحلة سائد في كتابات الفلسطينيين من هذا الجنس.
كما أوضحَ، ضمن هذا الجنس الفرعي، كيف يستجيب نصُّ طوقان لغياب الوطن بالبحث عن بدائل لمثل هذا الوطن في الكتابة، لأن فعل الكتابة، بغضّ النظر عن كيفية تفسيره، هو ما تتحدّى به طوقان التشرّد، بخلق مساحة خاصة يمكن فيها للذات أن تجد صوتها كي تواجه أنظمة القهر على اختلافها.
خطاب إسباني
ودرست الورقة الثالثة تمثيل القضية الفلسطينية من منظور المستشرقين الإسبان المعاصرين، متّخذة من أعمال خوان غويتيسولو وإميليو فيرين وإساييس بارينيادا، نماذج على ذلك.
وبيّن حسني مليطات، وهو باحث وأكاديمي ومترجم، حاصل على الدكتوراه من "جامعة مدريد المستقلّة"، أن أعمال هؤلاء الكتّاب الإسبان تتضمّن "رؤية" مهمّة في التعبير عن المسار الذي وصلت إليه القضية، موضحاً ذلك من خلال دراسة "الشكل البنيوي" لأعمالهم، ومفسّراً من خلاله كيفية تمثيل القضية، والهدف من ذلك.
وسعى الباحث من خلال هذه الأعمال لدراسة النظرية الشمولية الاستشراقية للحالة التي مرّت وما زالت تمرّ بها فلسطين، وخلُص إلى نتائج عدة، منها: اهتمام المستشرقين الإسبان بالقضية الفلسطينية، والتخصّص فيها أكاديمياً، والمتابعة المتسلسلة لأحداثها التاريخية الحديثة.