"فلسطين ملكٌ للعرب مثلما إنكلترا ملك للإنكليز أو فرنسا للفرنسيين. ما يحدث في فلسطين منذ 1948 لا يمكن تبريره بأي قانون أخلاقي أو دولي. يجب أن يوضع حدٌّ لممارسات الاستيطان، وسياسات الفصل العنصري، وتهجير المدنيين من بيوتهم، وقتل جميع أشكال الثقافة الفلسطينية. إن وقوف العالم صامتاً وساكناً أمام مثل هذا الممارسات لا يمكن أن يفهم إلّا تواطؤاً ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان".
هذا مقطع من كتاب الكاتبة والصحافية الإسبانية تيريسا أرانغورين "فلسطين: خيط الذاكرة"، الذي صدرَ أوّل مرّة عام 2002، عن دار نشر "BARATARIA"، لكن نظراً لراهنيّة الأحداث التي تعصف بغزّة، وما تتعرض له من عدوان إسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، قررت دار نشر "كانتارابيا"؛ التي تديرها المستعربة والمترجمة وأستاذة الأدب العربي في "جامعة مدريد المستقلة"، كارمن رويث، إصدار طبعة جديدة من الكتاب.
تخريب وتدمير وتهجير، إنها سياسة إفراغ كل شيء من محتواه
تكتسب هذه الطبعة أهمية كبرى، خصوصاً في ظلّ ما تواجهه غزّة من حرب إبادة صهيونية، لما لها من دور هام في دحض السردية الصهيونية المنتشرة، والتي عملت مؤلّفة الكتاب، منذ كتبها الأولى المتعلّقة بفلسطين، على توضيحها للقارئ الإسباني. فالكاتبة معروفة في الأوساط الثقافية الإسبانية، وهي مختصة في شؤون الشرق الأوسط، ولا سيّما القضية الفلسطينية، إذ ليس هذا كتابها الأول عن فلسطين، فلها في هذا السياق العديد من الكتب، منها: "الزيتون المكسور: مشاهد من الاحتلال" (2006)؛ "ذاكرة ضد النسيان" (2015).
تتناول أرانغورين في كتابها الجرائم الإسرائيلية، والدور الذي لعبته بريطانيا، منذ "وعد بلفور" في عام 1917، في تجريد شعب بأكمله من حقوقه في الحرية والملكية والأرض والتاريخ. كما تعرّي الحملات الإعلامية التي يشنّها الغرب على المقاومة الفلسطينية، وتضعها في مكانها الصحيح ضمن نضال الشعوب في سبيل الحرية.
وعلى الرغم من الخلفية السياسية والتاريخية التي تضع فيها القارئ، إلا أن الكتاب أيضاً يحتوي على العديد من الشهادات المباشرة والإنسانية التي أخذتها الصحافية بشكل مباشر من فلسطين، في أثناء زياراتها لفلسطين المحتلّة.
وتتعمّق صاحبة "الزيتون المكسور" في كتابها بفكرة تجسيد الآخر في الفكر الاستعماري والعنصري، حيث تقول: "إن الآخر بالنسبة للعقلية المستعمرة، لا يتم التعامل معه على أساس إنساني، بل أثبتت التجربة التاريخية، أنه مجرد عنصر من المناظر الطبيعية الغريبة التي يعمل المستعمر على إفراغها بشكل كامل. قد يبزر هذا بشكل واضح إذا ما طبقناه على القضية الفلسطينية، حيث تريد الصهيونية أن تجعل المشهد خالياً. كيف تفعل ذلك: بالتخريب والتدمير والتهجير. إنّها سياسة إفراغ كل شيء: الأرض، والبيوت، والجذور والمدن وحتّى اللغة. المقاومة الحقيقة تكمن في عدم السماح بسياسة التفريغ هذه، بل إعادة رسم المشهد كلما عمل المحتل على إفراغه بسياسته الاستيطانية والتوسعية".
لا شك في أن إصدار هذه الطبعة الجديدة من كتاب من "فلسطين: خيط الذاكرة" يجسّد جزءاً من فكرة الكاتبة حول إعادة رسم المشهد، لا سيّما في الغرب، من أجل تفنيد البروبغندا الصهيونية، ونقل حقيقة النضال الفلسطيني.