فجرٌ كاذبٌ يذهبُ ويأتي في غفوةِ القارئة

07 اغسطس 2021
فاتح المدرّس/ سورية (جزء من لوحة)
+ الخط -

صَحوَة

أمّا وَقَد سَلَكْتَ الدّربَ وَحيدًا،
تَتَحَسَّسُ النُّدوبَ المَوشومةَ في ظَهْرِك،
وَعَينُكَ على الطّفلِ داخِلَكَ،
تُراقِبانِ بِبَلاهَةٍ،
المُرورَ المَلَكِيَّ لِلمَنطِقِ على حياتِكُما معًا.

تَرنو مِنْهُ وَتُلْحِفُهُ دِرعًا مِن نارْ،
تُمَسِّدُ على جَبينِهِ الطَّرِيّْ
وُجوهٌ غابرةٌ تتصبّبُ. 
تَموجُ مهجَتُهُ بِماءٍ حارٍّ،
فَيَقَعُ في وَسَنِهِ تَعِبًا.

دِرْعُ النّار.. أتذكُرُها؟
طَوَّقَتْكَ بها ذاتَ عِناقٍ، فارِسةُ الألَم،
ألَمِكَ الذي أنتَ مُضَرَّجٌ بهِ، كبيرٌ، الآن.

شَوقُها سِياطٌ جلَدَتكَ بِها، 
حَشَرَتْ أنفاسَكَ في جعبَةِ سهامِها، 
وَفوقَ جسَدِكَ الصّريع،
وَقفَت تُهَمهِمُ بِحُنُوٍّ ساديٍّ:
"فَلْيَشِبَّ في روحِكَ جنونُ التّرحال، 
هاكَ حُبّي أكفِّنُكَ به،
وَلْتنتَظِرْ رجوعي، لِنَشيخَ معًا".

بينَ رؤوسِ المُحاربينَ الحَليقةِ،
تناثرَ وِشاحُها الشَّفيف، 
وَفي صهيلِ الجِياد الغَضبى،
تاهَ صَوْتُها مِثلَ زَوْبَعَةٍ مِنَ الرِّمال، 
وَمُقلَتاكَ،
حَولَ رَجْعِ الصّدى بَقِيَتا تَطوفان.

أيا طِفليَ الدّاخليّ،
تلكَ هيَ دِرعُ النّار أدثِّرُكَ بِها،
وَلْتَذكُر كلّما وَهَنتَ، فيما أنتَ تَكْبُر، 
أنَّ الحُبَّ الذي يُحرِقُنا، 
هُوَ ذاتُهُ الذي يَحمينا.


■ ■ ■


حُبٌّ حَقيقيّ 

غدًا، 
حينَ تنتَهي الحَربُ الدائرةُ هُنا،
وَأشارَ ناحيةَ صَدرِه،
بِدِعَةٍ،
سَوفَ نُسلِّمُ الجسَدَ،
عتادَنا الوَحيد.

مِن بَينِ طحالِب الذاكرة المَخطوفةِ،
نَسحَبُ أشلاءَهُ بِوُجومِ شاهِدٍ سرّيّ،
على معركةٍ غفلَ عنها التاريخُ،
لانشغالِ الرواةِ بِأخبارِ قادةٍ
تُبرِقُ رؤوسُهُم بخوذاتٍ مِنَ ذَهَب.

نُغِلُّهُ في خَدِّ أصغَرِ أقحوانة،
رَضِعَت من أديمِ هذي الأرضِ، 
الحُبلى بالصّلصالِ، بِالعظام،
وَبِنَهَداتٍ حَرّى،
لَمّ يتَّسِعْ الوَقتُ لَها،
لِتبوحَ بِكُلِّ شَيءْ.

رَيثَما يَجِفّ،
وَمِن طيبِهِ المُخَضَّبِ،
بِارتجافَةِ النَّبضِ الأولى 
تَكونُ الرّوحُ قد تهيّأَت،
لِلسَرَيانِ كَما ينبوعٍ ريفيٍّ بِكْرٍ،
بينَ شُقوقِ جَسَدٍ جَديد.


■ ■ ■


فقط لَو انتظرتِ قليلًا

(إلى أُمي)

ثلاثُ كلماتٍ لقّنتِنيها،
لَو انتظرتِ فقط قليلًا،
لَشرَحتُها لكِ يا صغيرة،
لئلّا تَتوهي وَحدَكِ:

لَو انتظرتِ قليلًا لحدّثتُكِ عن الحب،
الحب؟
كروتُ تاروت على الطاولةِ مقصوفةِ الظَّهرِ،
تحدِّق بِشقوقِ السقف.. تَحسَبُها طوالِعَ..
تستنطقُ الفجرَ الكاذبٓ،
الذي يذهبُ وٓيأتي في غفوةِ القارئة،
منذُ ألفِ عامٍ، يَأتي وَيذهبُ،
هكذا.. بِلا صَوت.

لَو انتظرتِ قليلًا لحدّثتُكِ عن الفَقد،
الفَقد؟
شموعٌ تنوح،
تذوبُ في خُرم العتمة المُضبّب
لَظى رأسِها.. خميلةُ طفلةٍ صهباء
رقبتُها الميّادةُ.. تلتفتُ نحوَ أمنيةٍ
هكذا.. بِلا صَوت.

لَو انتظرتِ قليلًا لحدّثتُكِ عن الذاكرة،
الذاكرةُ؟
مرآتُنا السوداء العطشى،
ابتلعتِ الحقيقةَ مرةً واحدة،
عبّت مِن لُجَجِ العيون،
اختنقَت بالفجيعةِ وَتقدّدَت
مثلَ رُمحٍ بَقَرَ كبدَ غزالةٕ سوداء،
فَضاعَ مِسكُها في الأرض،
هكذا.. بِلا صَوْت.

فقط لَو انتظرتِ قليلًا يا صغيرة.


* شاعرة من لبنان

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون