يعدّ الملحن العراقي محسن فرحان (1947 – 2022) الذي رحل مساء أمس الإثنين في أحد مستشفيات بغداد بعد صراع مع المرض، أحد أبرز المؤلفين الموسيقيين الذين صاغوا الأغنية العراقية المعاصرة منذ سبعينيات القرن الماضي.
وُلد الراحل في مدينة الكوت بمحافظ واسط وانتقلت عائلته إلى كربلاء، وهناك شدّته طقوس العزاء التي تتضمّن عزفاً على الطبل وآلات نفخية، وكذلك صوت والده الذي كان صديقاً للموسيقي لطيف رؤوف المعملجي، فالتحق محسن بفرقة الأخير منشداً في فرقته عام 1961.
في تلك الفترة، تعلّم محسن العزف على آلتي العود والأكورديون بنفسه فأتقنه في غضون ثلاثة أشهر فأصبح عازفاً ثم ملحناً في فرقة المعملجي، وأتت المرحلة الثانية بدخوله قسم الموسيقى في "معهد الفنون الجميلة" ببغداد لكنه لم يكمل دراسته آنذاك.
استمر عزفه ضمن الشناط المدرسي في كربلاء من خلال عمله في "فرقة المدينة" التي كانت تقدّم عروضها في مدارس المنطقة حتى عام 1970، حين تم قبوله ملحناً في الإذاعة والتلفزيون بعد اجتيازه اختبار لجنة فحص الألحان، عن تأليفه لحن "يا دمع" من كلمات كريم راضي العماري وغناء فخري عمري.
تأثّر محسن بالعديد من رموز الغناء في الجنوب العراقي من أمثال داخل حسن وخضيري بوعزيز وناصر حكيم، وأدخل أطوار هذا الغناء كالمحمداوي في مؤلّفاته وهو لم يكن معروفاً في بقية مناطق العراق، إلى جانب تأثيرات من البادية العراقية وأشكال أخرى من الغناء الشعبي كالأبوذيات، كما ظهر في تلحينه أغنية "ما بي أعوفن هلي" التي أداها المطرب حسين نعمة.
ارتحل عام 1976 إلى مصر ودرَس في قسم الدراسات الحرّة في "معهد الموسيقى العربيّة" في القاهرة بإشراف عازف القانون سامي نصير لثلاث سنوات، وهناك تأثّر على مستوى التقنية والسرد الموسيقي بتجارب عديدة، في مقدّمتها فريد الأطرش، وساهم ذلك في تطوير أدواته وأسلوبه الذي ترك بصمة واضحة على الأغنية العراقية خلال عقد السبعينينات مع أسماء أخرى منها محمد جواد أموري وكوكب حمزة وطالب القراغولي وآخرين.
لحَّن فرحان لأبرز الأصوات التي صعدت خلال ذلك العقد، مثل حسين نعمة في أغاني "غريب الروح"، و"قوم انتر الهيل"، وسعدون جابر في أغاني "عيني عيني" و"المطار" و"يا نجوى" و"انت العزيز تغيّرت"، بالإضافة إلى تقديمه ألحانا لمطربين آخرين منهم فؤاد سالم وقحطان العطّار ورضا الخيّاط وحميد منصور وأنوار عبد الوهاب وكريم حسين وأمل خضير وغيرهم.
وكانت له جهود في تلحين القصائد المنظومة بالفصحى والأوبريتات، كما ساهم في تأسيس "جمعيّة الملحنين والمؤلِّفين العراقيين" وترأسها في فترة لاحقة، وفي مراحل أخرى من حياته شغل عضوية اللجنة الوطنية للموسيقى.
ترك الراحل الذي قضى في الغربة قرابة ثلاثة عقود في منفاه الاختياري بالدنمارك، إرثاً غنياً تمثّل في تقديم أصوات جديدة، وتنويع القوالب الغنائية العراقية، والاعتناء بالمقدمات الموسيقية والزخارف النغمية، وكان حريصاً على عدم التكرار في بحث مستمر على صعيد التقنية والأسلوب.