في كتابه "الفيروس، المستوطن، والحصار: غزة في زمن الكورونا"، يشير الباحث والطبيب الفلسطيني غسان سليمان أبو ستة، المدير المشارك لبرنامج طب النزاعات في معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الأميركية في بيروت، إلى أن جائحة "كوفيد - 19" عملت كضغوط حددت هياكل القوة والتدرجات داخلها على المستوى الوطني وفوق الوطني.
الكتاب الذي صدر حديثاً عن "مؤسسات الدراسات الفلسطينية"، يستند إلى أن مقولة الفيلسوفين الفرنسيين آلان باديو الذي تعامل مع الأوبئة بوصفها أحداثاً اجتماعية، أو ميشيل فوكو الذي قاربها كأزمات ضمن محاضرات ألقاها بين عاميْ 1973 و1974 في "كوليج دي فرانس"، حيث لم يكن الطاعون تهديداً جرثومياً بل مرضاً ثقافياً وسياسياً.
يشير أبو ستة إلى أن المؤرخين اكتشفوا الطرق التي عززت بها الأوبئة والحجر الصحي، أو تحدت، أو أقامت العلاقات الاقتصادية وعلاقات القوة على الأرض، فعند دراسة جائحة الإنفلونزا الإسبانية في جنوب أفريقيا التي تفشّت بعد عودة جنود سود من معارك على الجبهة الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى، حيث التقطوا المرض خلال رحلة الرجوع، وحينها استغل البيض انتشار المرض لتقنين سياسات التمييز والفصل العنصري، حيث تم تقييد مساحة الأراضي الممنوحة للسود، وأصبحت هذه التجربة فيما بعد نذيراً لعمليات الإخلاء المستقبلية وتكريس نظام الفصل العنصري.
ويوضّح أن الحصار هو شكل من أشكال الحرب منخفضة الشدة على أساس الضغط المستمر، وهو عملية ديناميكية تتغيّر في شدتها وممارستها شهريًا ويوميًا، من خلال تعديل عمق "المنطقة العازلة" التي تمتد على طول المحيط الداخلي لغزة وبتغيير الحدود البحرية لغزة، حيث يمكن تصعيد العنف المكاني للحصار، والذي يؤدي إلى شلّ البنية التحتية الحيوية ومنها الخدمات الطبية.
ويلفت أبو ستة إلى أن هدف المسؤولين الإسرائيليين من الحصار هو إبقاء اقتصاد غزة "على شفا الانهيار"، حيث تمّ تقييد دخول العمال الفلسطينيين من الضفة وغزة بعد انتشار الجائحة، غلى جانب تطوير أدوات الأمن الوبائي من أجل الاستجابة للفيروس.
ويرى أنه عند محاولة التنبؤ بسياسات "إسرائيل" أثناء الوباء، التي تهدف لتحويله إلى فرصة، إذ فرضت قيودًا صارمة على تسليم مجموعات فحص الفيروس إلى غزة، لدرجة أنه كان لا بد من تعليق الاختبار في عدة مناسبات، كما منعت الوكالات الدولية من التبرع بأجهزة التنفس، وتوفي 73 شخصاً بسبب نقص الرعاية الصحية أثناء الإغلاق الوبائي، ولم يتمكن 1200 مريض من الحصول على الرعاية الطبية المنقذة للحياة، وأدى الإغلاق الشديد إلى حدوث تباطؤ اقتصادي في اقتصاد متعثر بالفعل.