لا يمكن الحديث عن جاك هيرشمان بصيغة الماضي، وبظني أن شاعراً وإنساناً باتساع قلبه وعطائه وشجاعته سيبقى مع أحبّته الكثر على امتداد العالم لزمن طويل قادم. أثره أصبح جزءاً من كلِّ مَنْ عَرفه وقرأه ومسّته رسالته. تقدميٌّ مثله مستقبليٌّ بالضرورة، يسبقنا إلى المستقبل وينتظرنا هناك.
في صيف 2009 تلقيت رسالة منه يدعوني للمشاركة في "مهرجان سان فرانسيسكو العالمي لـ الشعر" الذي أسّسه وأداره حتى توقفه قبل سنوات، وكانت تلك بداية صداقة امتدت إلى اليوم، وإلى الغد، فالصداقات الحقّة هي أيضاً تلك التي تسبقنا إلى المستقبل.
في ذلك الصيف لم تفلح محاولة استصدار تأشيرة من "القنصلية الأميركية" في القدس. اتصلوا بي لاستلام التأشيرة بعد انتهاء المهرجان بأسبوع. أذكر وقفته الشجاعة وتضامنه ورسالته البليغة للخارجية الأميركية - وقد كان وقتها "شاعر سان فرنسيسكو المتوّج"، أذكرها وعشرات المواقف واللفتات على مدار سنوات طويلة، وآخرها نصه/ بيانه "بركان النكبة" في ذكرى احتلال فلسطين هذا العام الذي حملته آخر رسالة إلكترونية منه في أيار الماضي. "النكبة ليست ذكرى"، يقولها كما يليق بإنسان أن يقول، كما يليق بأُممي احترف كسرَ الحواجز التي يبنيها الظلمُ واستغلالُ الإنسان لأخيه.
شاعر لم يكف عن محاولة تغيير العالم أي تغيير الإنسان، وأرانا بسيرته الشخصية كيف أن العدل بكل تفرّعاته وتنويعاته هو نور ينطفئ بدونه الشعر. وقد كانت سيرته من نور الأرض والإيمان بإنسانها، نورٌ لا يمكن أن نفقده.
فلترقد في القلوب أيها الصديق.