يُصوّر معرض "عناصر"، الأحدث للتشكيلية القطرية بثينة المفتاح، سيرورةً عبر الزمن، تنتقل في سلسلة من الأعمال الفنية ذات الخامات المتعدّدة، من النسيج والرسم والتصوير والطباعة.
هذا هو المعرض الفردي الثاني لها، وقد افتتح مساء الثلاثاء الماضي، ويستمرّ حتى 21 كانون الثاني/ يناير المقبل في "إم 7" بـ "مركز قطر للأزياء والتكنولوجيا والتصميم" الواقع في مشيرب؛ قلب الدوحة.
تنقسم الجولة في المعرض إلى ثلاثة أقسام: "فترات"، و"انعكاس"، وأخيراً لوحة النسيج ضخمة الحجم "يِبهم"، التي أُنتجت بالتعاون مع مدينة النسيج في أوبيسون الفرنسية الشهيرة على مستوى العالم.
تتضمن سلسلة "فترات" أعمالاً بوسائط مختلطة، تعرض أعمال المفتاح بأسلوب تجريدي يمثّل امتداداً لأبحاثها في التوثيق المفاهيمي. وهنا تتحوّل دراساتها وأبحاثها التصويرية والمجمَّعة إلى أعمال فنّية تجريدية كبيرة الحجم تجمع مقاطع من الأفكار من أزمنة وأماكن مختلفة.
وتمثّل "فترات" تطوُّرَ رؤية المفتاح الفنّية، وهي ترمز إلى الذكريات المطبوعة في العقل الباطن، متناولةً فترات زوال اللحظات الجميلة مع مرور الوقت في عالم اليوم المتسارع والمتطوّر، من خلال الجمع بين أصداء الزمن المطبوع في الذاكرة الشخصية والجماعية للمجتمع.
أمّا سلسلة "انعكاس"، فهي مراحل تكوين العمل، ابتداءً من الفكرة ومروراً بخطوات الإنتاج حتى نصل إلى العمل النهائي. هذا القسم مخصَّص ليُبيّن أهمّ ما يُميز أعمال بثينة المفتاح، حيث تعكس أفكارها ونتائج أبحاثها على الورق تشكُّلَ العمل الفني من خلال الصور والخطوط والكتابات.
وأخيراً، تُمثّل لوحة النسيج "يِبهم" مشروعاً نشأ عن التعاون الذي بدأ خلال "العام الثقافي قطر - فرنسا" الذي أُقيم عام 2020، للاحتفاء بمرور خمسين عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين قطر وفرنسا. وتمزج اللوحة الفنية بين التقليد الفرنسي واللون الفنّي القطري المُعاصر، الذي يدعو المتأمّل إلى اكتشاف حرفة النسيج التقليدية من وجهة نظر فنّان مُعاصر.
يتألّف نسيج "يِبهم" من الكتابات والرسومات التعبيرية والورق الكوري وأحجار الطباعة. ولوحة النسيج هذه، التي تبدو وكأنّها في هيئة خام وغير مكتملة، تَعرض تصوُّراً متعدّد الطبقات للعمل الفنّي قبل وصوله إلى شكله النهائي.
تكتفي بخطوط رفيعة وبالأسود والأبيض وما بينهما من درجات
جرى إنتاج العمل الأصلي في الأصل كمطبوعة بالحجر، وتحوّل إلى ورق دقيق، ليتطوّر بعد ذلك إلى صورة فوتوغرافية، ومن ثَمّ إلى طباعة على القماش الذي يمثّل لوحة النسيج الآن.
تُزيّن باطنَ العمل خطوطٌ دقيقة غير مقطوعة تتدلّى نحو الأرض عمداً، تجسيداً لمجتمع متّحد وذاكرة جماعية تربط حكايات الماضي بقصص الحاضر وتدمجهما معاً.
وَجَّهت المفتاح ممارساتها الفنّية إلى فن الطباعة وفن الطبوغرافيا والتوثيق الذي تطوّر مع مرور السنين إلى أعمال فنّية تركيبية كبيرة الحجم وفنون أدائية وتعبيرية.
ويتجلّى مصدر إنجازها الرئيسي في التراث الثقافي القطري، حيث تستعين في أعمالها بعناصر من التاريخ الشفوي الشعبي وتعمل على إعادة تركيبه ليُشكّل انعكاساً لعلاقتها مع ماضي وطنها وتاريخه.
وافتتان المفتاح بالذاكرة الجماعية لوطنها قادها لأن تركّز في بحثها على أحياء قطر القديمة وأهم الشخصيات التي شكّلت تلك الحياة. وهذا ما يفسّر تحوُّل شخصيات وقصص في هذه الأحياء من عالمها إلى أعمال تصويرية مجرَّدة تظهر في عملها اليوم، كنهج لإعادة إحياء لحظات الماضي وذكرياته وإعادة بنائها في بيئات معاصرة.
التفتت المفتاح تدريجياً إلى التوثيق المفاهيمي عبر تجليد الكتب للتعبير عن ماضي قطر من منظورها، تخليداً لما فُقد في هاوية الزمن.
وهذا التخليد ذهب إلى أبسط أدوات التعبير على السطح، زاهداً في الألوان، مكتفياً بالأسود والأبيض وما بينهما من درجات، وفي الشكل يكتفي بخطوط رفيعة كأنها اسكتشات أولية كافية لتقول هذه مئذنة وهذا شراع سفينة، وهذا الحوش وهناك "حبس" (مقعد مستطيل) يروي الحكايات.