عماد قدورة.. تطوّر العلاقات الدولية لتركيا

06 اغسطس 2021
نجاد دفريم/ تركيا
+ الخط -

صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "السياسة الخارجية التركية: الاتجاهات، التحالفات المرنة، سياسة القوة" للباحث عماد قدورة الذي يدرس فيه سياسات أنقرة الخارجية بكونها تعتمد على تقوية العلاقات مع القوى الكبرى في الغرب والشرق معاً، ضمن تحالفات مرنة تتجنّب الاعتماد على حليف مُهيمن، وتستفيد من مزايا الاتجاهين، وتُوازِن أحدهما بالآخر في حال التوتر.

ويشير بيان المركز إلى أن تركيا تواجه مع ذلك معضلةً في بناء هذه التحالفات؛ إذ لا يمكن الاعتماد عليها كلياً، كما تنطوي على التنافس والاختلافات السياسية. لذلك، تعمل على تطوير اتجاه ثالث لتحقيق المصلحة القومية يتمثّل بتعزيز الاستقلالية من خلال الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي اقتصادياً ودفاعياً، وانتهاج السياسة الحازمة التي تجمع بين الدبلوماسية وسلوك القوة.

يفصّل الكتاب السياسة الخارجية الحالية واتجاهاتها وتحالفاتها، ويدرس الأحداث والمتغيرات المحلية والخارجية، في الفترة 2010-2021، التي أثّرت في بلورتها، ويناقش مدى ارتباطها بسياسات سابقة منذ حرب الاستقلال وتأسيس الجمهورية عام 1923. فقضايا السياسة الخارجية ترتبط بتيار سائد وشعور قومي مشترك بمكانة تركيا، لكن تحقيق غاياتها يعتمد على نهج الحكومة وفاعليتها وسلوكها.

يوضح الكتاب أن قضايا السياسة الخارجية ترتبط بتيار سائد وشعور قومي مشترك بمكانة تركيا

يتألف الكتاب من أربعة فصول. في الفصل الأول "جذور السياسة الخارجية التركية وتطورها: 1923-2011"، يبين المؤلف اهتمام السياسة الخارجية بعد تأسيس الجمهورية مباشرة بتعزيز الاستقلال والتوازن في العلاقات الدولية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، مع تفضيل العزلة الإقليمية والحياد الدولي. ويوضح كيفية تغيّر اتجاه علاقات أنقرة في أثناء الحرب الباردة من خلال التحالف مع الغرب، والذي لا يزال قائمًا حتى الآن. كما يركز على محاولة تركيا القيام بدور إقليمي بعد عام 1991، وهي التجربة التي كانت مُلهمة لتدشين دور إقليمي نشط منذ عام 2002. ثمّ يركز الكتاب على جذور تشكّل السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية ومعالم هذه السياسة حتى عام 2011. 

يناقش الفصل الثاني "المتغيرات المحلية والخارجية المؤثرة في السياسة الخارجية: 2011-2021" العديد من التغيرات الجوهرية التي شهدتها الساحة المحلية، وكذلك الخارجية ذات الصلة بالعوامل المحلية، خلال الفترة 2011 -2021، ليبين مدى تأثير هذه العوامل في السياسة الحالية، ويضم الفصل تسعة محاور تتعلق بتوتر العلاقات مع إسرائيل، وتأزم العلاقات مع كلٍ من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وارتباط ذلك بأحداث وعوامل محلية وإقليمية مثل حادثة سفينة "مافي مرمرة"، واحتجاجات حديقة "جيزي بارك"، وقضية "خلق بنك"، ومحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، وعلاقة ذلك بالصدام بين حزب العدالة والتنمية وحليفته حركة غولن، كما يرصد تأثير متغيرات أخرى في السياسة الخارجية مثل صعود القوميين وتحالف بعضهم مع حزب العدالة والتنمية، والانتخابات المتوالية خلال الفترة 2019-2014، والتحول دستوريًا نحو النظام الرئاسي، ومكانة الرئيس في البنية الجديدة لاتخاذ القرار الخارجي، وإعادة تأسيس العلاقات بين السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية، والتي تؤثر بدورها في حشد التأييد للنهج الجديد للسياسة الخارجية.

الصورة
غلاف الكتاب

في الفصل الثالث "التحالفات المرنة والاتجاهات في السياسة الخارجية الجديدة"، يجادل قدورة في ثلاث سمات للسياسة الخارجية التركية الحالية: أنها ذات نزعة استقلالية، وأن اتجاهاتها متجددة نحو الشرق أو الغرب أي إن لها جذورًا في فترات مختلفة من تاريخ الجمهورية ومن المحتمل أن تبقى كذلك في المستقبل، وأنها تميل إلى مرونة التحالفات بدلًا من الاعتماد على حليف مُهيمن، ومن ثمّ تسعى إلى موازنة علاقاتها بالقوى الخارجية الفاعلة، مع وجود ضوابط لكل اتجاه. ويناقش ذلك كله من خلال أربعة محاور: يركز أولها على ماهية النزعة الاستقلالية في السياسة الخارجية في تركيا؛ ويبحث ثانيها في سعي أنقرة الحثيث نحو تعزيز الاستقلالية وتقليص الاعتماد على القوى الكبرى من خلال محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي وذلك بزيادة قدراتها الاقتصادية والدفاعية؛ ويناقش ثالثها محاولة استخدام تحالفات مرنة مع القوى الكبرى لموازنة العلاقات بينها على أساس مصالح أنقرة بالدرجة الأولى؛ ويحلل رابعها مدى تأثير متغيرات محلية مثل أفول الغولنيين وصعود القوميين في العلاقات تجاه الغرب والشرق، ومدى تأثير القوميين الفعلي في اتجاه السياسة الخارجية الحالية.

يتناول الفصل الرابع "السياسة الخارجية الجديدة وسياسة القوة" التغير في سلوك السياسة الخارجية الحالية من خلال استخدام سياسة القوة، منذ عام 2016، التي تظهر من خلال النشاط الخارجي العسكري بأنواعه المختلفة. يضم الفصل خمسة محاور: الانتشار العسكري وتأسيس القواعد في الخارج كما في قطر والصومال وغيرهما؛ التدخل العسكري المباشر في سورية؛ السياسة البحرية الحازمة في شرق المتوسط؛ التدخل العسكري في ليبيا وصلته الوثيقة بالسياسة البحرية؛ التدخل العسكري في أذربيجان بوصفه خيارًا استراتيجيًا لتركيا في اتجاهها نحو الشرق.

في نهاية الكتاب، يخلص المؤلف إلى تسعة استنتاجات أساسية يناقش فيها: معضلة بناء التحالفات، ومدى تجدُّد السياسة الخارجية الحالية من سياسات سابقة، وما يترتب من نتائج مستقبلية على كونها سياسة متجدِّدة، ودور الرئيس أردوغان في السياسة الحالية وتوجهاتها، ومدى تأثير صعود القوميين، ومدى تجاوز السياسة الراهنة الانقسام التقليدي العلماني – الإسلامي، ومكانة العلاقة المدنية – العسكرية الجديدة في السياسة الخارجية، وتأثير توسيع مفهوم الوطن والتدخلات العسكرية الجديدة في خطاب السياسة الخارجية وسلوكها واتجاهاتها.
 

المساهمون