نتابع في مقال اليوم الجزء الأول المتعلّق بمدينة دمشق من رحلة الإسباني دومينيغو فرانثيسكو باديا المتنكّر بشخصية علي باي العباسي عام 1807، ونرافقه في الطريق من الجليل إلى عاصمة الأمويين في فترة أعقبت كارثة الطاعون التي أتت على غالبية سكان هذه النواحي، وخلّفتها أثراً بعد عين، ولذلك لم يكن غريباً أن يقطع هذا الرحّالة أراضي شاسعة من دون أن يصادف فلّاحاً أو راعياً. وقد توسّع الرحالة السويسري بيركهارت في هذا الموضوع بعد سنوات قليلة من رحلة باديا، حيث أشار إلى خلوِّ البلاد من سكّانها، واللافت أنّ الرحالة الإسباني تحدّث عن ازدهار لمدينة دمشق مقارنة مع القاهرة وفاس في ذلك الوقت، كما استطرد في الحديث عن المهن والصناعات والسكّان، في مرحلة شهدت ندرةً في المصادر المتعلّقة بهذا الجانب.
وتجدر الإشارة إلى أنني اعتمدت في عرضي للرحلة هذه على ترجمة الأستاذ حليم كنعان غير المنشورة، والتي تقدم بها لنيل درجة الأستاذية في علوم التاريخ، من "الجامعة الأميركية في بيروت" عام 1952.
بحيرة طبرية
بعد أن مرض رحّالتنا في الناصرة عدّة أيام، تعافى وتوجّه إلى دمشق يوم الأربعاء في التاسع عشر من آب/ أغسطس عام 1807، ومرّ في طريقه على قرية كفر كنَّا، ثم على قرية لوبية إلى أن وصل قرية حطّين. وبعد أن بات وصحبه ليلةً في القرية توجّه عبر مضيق صخري إلى شاطئ بحيرة طبرية التي وصفها بقوله: "طول هذه البحيرة نحو سبعة فراسخ من الشمال إلى الجنوب، وعرضها فرسخان. تحيط الجبال المرتفعة بهذه الصفحة البديعة من المياه، وجوّ مُشبع بالغيوم القليلة، وتحدق بها من الغرب مدينة طبريا بمياهها الكبريتية الساخنة، ويعرض جبل الطور المُتعالي على باقي الجبال المُحدقة بها منظراً شائعاً منعشاً تزيده حيوية قُطعان عديدة ترعى في كلّ حدب وصوب".
ويضيف: "تغطّي شاطئ البحيرة الشمالي الصخور البازلتية والسوداء، وغيرها من نتاجات البراكين. وإذا ما كانت باقي شواطئ البحيرة متألّفة من الموادّ عينها فيمكن الاستدلال من هذا أنّ بحيرة الجليل كانت فيما مضى فوّهة بركان. عند متوسّط الشاطئ الشمالي خان أو نزل كبير متصدّع، وهو يُستعمل لنزول المسافرين، ويستدلّ من أنقاضه أنّه بُني من الحجر الأسود النخِر المُنتشر على هذا الشاطئ. وفي الجوار عدّة حقول زُرعت أرزاً".
عند قنطرة يعقوب
يتابع باديا رحلته شمالاً ويصادف من بعيد فرساناً من البدو، ويتوقّف في خان يُدعى "خان يوسف" يحرسه جندُ عكا المغاربة، وبعد مسيرٍ طويل تبدو له من بعيد بحيرة الحولة إلى شمالي الشمال الشرقي ومجرى الأردنّ المنخفض. وعند الواحدة بعد الظهر يصل إلى جسر يُدعى قنطرة يعقوب على وادي الأردن الذي ما زال صالحاً رغم قدمه. ويقول إنه مكوّن من ثلاث قناطر دقيقة الرأس، وعلى طرفه الغربي قلعة قديمة تحتلّها فصيلة من جند والي عكّا، وعلى بُعد ستين خطوة من طرف الجسر الشرقي خانٌ آخر تحرسه فصيلة من جند والي الشام. ويعلّق على ذلك بقوله: "على الرغم من كون جنود الحاميتين من الأتراك، فإنّ العلاقات بينهما كانت هشّة إلى درجة توهّم بأنّهما ينتميان إلى أمّتين وسلطانين مختلفين".
بعد ذلك يتحدّث عن غطاء غابي من منطقة الجسر وصولاً إلى القنيطرة، وهو غطاء اختفى في فترة لاحقة ولم يبق منه سوى مساحات قليلة على تلال المنطقة المحيطة بالقنيطرة، وقد وجد خان القنيطرة نصف متهدّم فتوقّف وصحبه فيه وتناولوا الفطور، ومن هناك توجّهوا إلى سعسع، فباتوا ليلة في خانها، ولفت نظره شكل الحمم البركانية على الطريق، فقال إنه شعر وكأنه متوغّل في الجحيم. ولكنه يشير إلى التناقُض الغريب في هذه البلاد، فعلى مسافةٍ باتجاه الغرب ترتفع قمّة جبل الشيخ المكلّلة بالثلوج الدائمة كما يقول. وبعد الوصول إلى خان الشيح يبدأ عدد القرى المأهولة بالازدياد، إلى أن يصل إلى بلدة داريا الواقعة وسط جنائن دمشق كما يقول.
بيوت الريف والمدينة
ومن الأشياء التي تلفت نظره في الريف المحاذي للمدينة، الأسقف المخروطية للبيوت الترابية حيث يقول: "إنّ المسافر الذي يقترب من دمشق يُخيّل إليه أنّه يرى مضرباً شاسعاً من خيم العرب مخروطيّة الشكل، والتي تعلو من عشر إلى اثنتي عشرة قدماً عن الأرض. إلّا أنّه كلّما اقترب يتبيّن له أنّ تلك الخيام ليست سوى عدد لا يُحصى من القبب المخروطيّة، وهي سطوح الغرف في بيوت الضواحي. هذه القبب البيضاء تشبه بيوت الحمَام في مصر، وهي بحجم تلك البيوت، وقد وصفتها سابقاً".
أمّا البيوت داخل المدينة فيقول إنّها مبنيّة من موادّ أقوى، وهي مؤلّفة عادة من طبقتين سطوحها منبسطة، ونوافذها قليلة، وأبوابها صغيرة، وواجهاتها غير مزخرفة. ويضيف: "إنّ هذا المظهر إذا أضفنا إليه الصمت المسيطر على الشوارع يُعطي المدينة مظهراً رتيباً خاملاً. الشوارع حسنة التبليط، ولها الأرصفة العالية من كلّ جانب، وهي متناسبة العرض، غير أنّها ليست مستقيمة التخطيط".
ويبدو أنه سمع من الناس تقديرات حول عدد سكان دمشق تصل إلى أربعمئة ألف نسمة، ولكنه يشكّك بذلك ويقول: "إنّني مقتنع أنّ سكّان المدينة والضواحي والحدائق يبلغون نحو مئتي ألف نسمة، يقدّر بينهم نحو عشرين ألف مسيحي كاثوليكي، وخمسة آلاف من المنشقّين (الأرثوذوكس)، وألف أسرة يهوديّة. وعكس هذا يصحّ في جميع مدن الشرق تقريباً، حيث عدد المنشقين يفوق عدد الكاثوليك بكثير".
مقهى النوفرة
ويشير باديا إلى "مقهى النوفرة" خارج مدخل الجامع الأموي حيث الفسقية تقذف ماءها على علوّ عشرين قدماً، وحولها يجلس كسالى المدينة كما يقول. وبعد أن يصف الجامع الأموي من الداخل، يلفت نظره افتقار دمشق لوجود ساحة، شأنها شأن باقي المدن الإسلاميّة. ويقول: "إنّ عادة استبقاء الفسحات الطلِقة وسط المدن لتهويتها وتزيينها مجهولة عند المسلمين. إنّ الحاجة الأشد لاتقاء أشعّة شمس دائمة اللهيب صرفتهم إلى الاختصار من عرض شوارعهم حتى يسهل تظليلها بأوراق الشجر. غير أنّ دمشق تمتلك بعض الشوارع معتدلة السعة. وعلى الأخصّ في الحي الذي تقوم فيه السرايا أو قصر الوالي. وتُحدق البيوت بهذا البناء إحداقاً تاماً حتّى إنّ المدخل الرئيسي الكبير هو كلّ ما يُرى. تواجه القلعة قصر الوالي، وربّما كانت تزرع الرعب في رَوع الأهالي، إلّا أنّها عديمة الفائدة ضدّ العدو الخارجي؛ لأنّها واقعة وسط المدينة، ولها صفّ واحد من الأسوار التي تعلو القليل من البيوت المحيطة بها من كلّ جانب".
أسواق عامرة
ويلاحظ باديا وفرة المواد الغذائيّة التي تباع مع البضائع في الحوانيت القائمة على طرفي الشارع. ويقول: "هذه الأسواق وافرة المواد للغاية. وتظهر في بعض المخازن تشكيلات من مختلف الأصناف التجارية. وما أبلغ ما تتناقض هذه الوفرة مع فقر حوانيت القاهرة وفاس وغيرها، وبخس محتوياتها، إذ يبدو التاجر هناك مرغماً على بيع المواد التي يبغي التخلّص منها".
ويضيف قائلاً: "إنّ حوانيت دمشق، بالنظر لامتلائها، هي بالدرجة الأولى مخازن الحرير، وهي وافرة العدد، وفيها المستودعات الهائلة. يمكنك أن تجد هُنا أقمشة الهند وفارس البديعة، غير أنّ معظم الأقمشة من المصنوعات المحلّية. وهذه المواد هي على درجة من الوفرة، حتّى إنّ هناك عدداً من شوارع المخازن المملوءة بها من طرف إلى طرف. ويقدّر أنّ في دمشق أكثر من أربعة آلاف حائك للأقمشة الحريرية والقطنية، إلّا أنّهم لا يحيكون الكتّان. الأسواق على العموم مغطّاة بالسقائف الخشبيّة التي تُفتح في أعلاها الكوى، وقد تمّ حديثاً بناء سقيفة بديعة تجاه السّرايا، وقد شاهدتُ هُنا حانوت ساعاتي عربي كان يعمل في ساعة حائط".
انقراض صقل السيوف
ويقدّر رحالتنا عدد حوانيت السروجيين بنصف مخازن الحرير في المدينة، ولذلك يستنتج بأنها تحتلّ الدرجة الثانية في الأهمية. "لاحظت عدداً كبيراً منها، ووجدت في بعضها مصنوعات تنمّ عن مهارة فائقة". ففي حين تتنوّع مصادر مستوردي الحرائر الدمشقية لتشمل تركيا ومصر وأفريقيا والجزيرة العربية، فإن مستوردي الجلديات هم الأعراب "الضاربون في الصحارى الشاسعة من أطراف بغداد حتى المدينة. وليس لهؤلاء من سوق يستبضعون منها أفضل من دمشق".
ويحدّثنا الرحّالة الإسباني عن صناعة الأسلحة في دمشق التي تكون جزءاً مهماً من هيئة التجّار، إلّا أنه يلفت النظر إلى أن الصياقلة الدمشقيين كادوا أن ينقرضوا، أما السيوف الدمشقية فقد تراجعت جودتها لأسباب لا يذكرها، ولكنه يشير إلى "السّيوف قديمة الصنع التي تنتقل من يدٍ إلى يد، وتعتبر غالية الثمن، ومن البديهي أن تكون باهظة الثمن، فهي تستند إلى الرغبة فيها فحسب".
حركة تجارية
ويتابع وصفه للحركة التجارية والحِرفية في المدينة فيقول: "يشغل أصحاب المصابن والحدّادون والحذّائون عدداً كبيراً من الشوارع. وهُناك مصنع واحد للزجاج، وهو لا ينتج غير النوع الأخضر الخشن. من الأمور التي تبرهن على امتداد النشاط التجاري واتساعه في هذا المكان؛ جمهور النجّارين المنشغلين على مدار السنة في صنع الصناديق التي يوضّبون فيها نتاج الأرض وصناعة الأهلين. وليتصوّر القارئ كمّية هذه الصناديق المصنوعة من الصفائح الغشيمة المسمّرة إلى بعضها البعض التي يتمكّن من إنتاجها حانوت واحد على مدار السنة. ثمّ ليتخيّل حيّاً كبيراً من أحياء المدينة تشغله هذه الحوانيت بكامله، عندئذ يمكنه أن يكوّن فكرة نوعاً ما صحيحة عن الكميّة الهائلة من الصّناديق المصنوعة في تلك المدّة، وفي الوقت ذاته عن المقدار العظيم لمنتجات الطبيعة، والصناعة التي يصدّرها هذا البلد الغني، وذلك فضلاً عن المواد التي لا تحتاج إلى الصناديق".
أفران ومقاهٍ وحمّامات
ويتابع: "إنّ الحشد الذي يملأ الأسواق يشكّل مناقضة غريبة مع عزلة باقي شوارع المدينة، حيث لا مخازن أو مصانع. في جميع الأسواق أفران صغيرة دائمة الانشغال بخبز الكعك وغيره من أصناف الحلوى المختلفة. حوانيت المزيّنين المُنشَأة في جوار الأسواق مزيّنة بالزخارف العربيّة، وبالمرايا الكبيرة والصغيرة من ذهبية النقوش أو غير ذلك بقصد لفت أنظار الزبائن. وهناك المقاهي أيضاً عامرة على مدار ساعات اليوم. تشكّل فيها مجموعات البيضان والسودان والفلاحين من مختلف درجات الألوان والأمم والديانات، خلا الأوروبيين ينعمون هُنا بالمساواة التامة والحرّية الكاملة. بعضهم يلعب الشطرنج، أو خلافه من الألعاب، وآخرون يدخّنون النارجيلة أو الأنبوبة العجيبة". ويصف لنا الرحالة الإسباني الحمّامات التي تعجّ بها الأسواق فيقول: "تحتوي الأسواق أيضاً على الحمّامات فخمة المظهر، فالردهة الأولى وهي عادة فسيحة يدخلها النور من نوافذ كبيرة تطلّ على الشارع، وهي مسقوفة بقبّة خشبية بديعة تزيّنها الزخارف العربية، ويدور حول الردهة رواق مرتفع فُرشت عليه الحصائر يستوي عليها من خرجوا من الحمّام ملتفّين بالمناشف التفافاً وثيقاً. فيؤلّفون مشهداً أَولى بإثارة الضحك. وسط الردهة عادة فسقية مرمرية وبعض الحِبال المثبّتة على علوٍّ مناسب تتعلّق المناشف عليها لتجفيفها".
أطعمة شهية
ويتابع واصفاً الحركة في الأسواق: "في السوق أيضاً عدد من الحوانيت لبيع المشروبات التي تتألّف من السكّر والزبيب والمشمش وغيرها من الأثمار. أكثر ما يحتشد الناس في الأسواق من الصباح حتى الواحدة أو الثانية بعد الظهر، وبعد تلك الساعة يقفل أكثر التجّار حوانيتهم وينصرفون. غير أنّ المصانع تبقى مفتوحة ويستمرّ الصناعيّون وبينهم عدد وافر من الأولاد والمتمرّنين في أعمالهم طول النهار. أمّا أسواق المواد الغذائية فتنافس في الغزارة أسواق البضائع، بل تفوقُها، وأصناف المواد المنطقة فاخرة. وإني أعتقد اعتقاداً جازماً أنّه لا يوجد في العالم بلدٌ آخر تفضّلها في المأكولات. فهي سمينة اللحم رخصته، خضرها وبقولها وجذورها غاية في النضارة. أثمارها ريّانة حلوة وغريبة الحجم، وهي وافرة الصيد على مختلف أنواعه، دسمة اللبن والعسل، خبزها أكثر بياضاً وأفضل منه في أوروبا. ويمكن أن يقال بكلمة إنّها في العالم خير مكان لتناول الطعام. يحمل العرب إليها الخضر، أمّا الوقود الذي يُحتطب من الحدائق والمزارع فوافر وبخس الثمن، غير أنّ حطب الأحراج مفقود نظراً لبعد المسافة". ويخصّص باديا حيزاً مهمّاً من حديثه حول مياه مدينة دمشق يبدو أنه استقاه من مصادر شتّى وبعضه عاينه عن كثب، وبعد ذلك ينتقل للحديث عن بيوت المدينة حيث يقول: "في دمشق ما ينيف على 500 صرح فخم يمكن اعتبارها قصوراً. غير أنّ فخامتها مقصورة على الداخل، ولا تتميّز واجهاتُها عن باقي المنازل. ولذلك فإنّها لا تساهم البتة في تزيين المدينة".
حال المسيحيين
وينتقل بعد ذلك للحديث عن مسيحيي المدينة بشكل شبه إحصائي فيقول: "لكلٍّ من الطوائف المسيحيّة المختلفة معبدها. فهناك كنيسة مارونيّة، ثمّ سريانيّة، وأُخرى أرمنيّة، وفيها ثلاثة أديار للرّهبان الفرنسيسكان، أحدها للفرنسيسكان الإسبان، والاثنان الآخران للفرنسيسكان الطليان. يحمل جميع الرهبان المذكورين لقب المُرسلين، وليس للرّوم المتحدين أي الكاثوليك معبد خاص، فهم يقيمون شعائر العبادة في كنائس الأديار الثلاثة. يعيش كهنة الروم الكاثوليك بطريقة غريبة، فهم يتجوّلون بين الأهالي الذين يقدّمون لهم العشاء والمبيت. وفي الصباح يقيمون القدّاس في البيت الذي قضَوا فيه ليلتهم. ثمّ يُقدّم لهم الفطور، وينصرفون بعد تناول قطعة من النقود تبلغ قيمتها القرشين والنصف. وعلى هذا النحو من التنقّل من بيت إلى بيت يتيسّر لهم تأمين معيشتهم، بما يحصلون عليه من أجر من أغنياء الأهلين". ويشير إلى كرسي بطريرك أنطاكية للرّوم الكاثوليك، في دمشق، هو الذي يقبض الهبات التي تجمع من مختلف النِّحَل المسيحيّة في عمادهم أو زواجهم أو دفنهم. فلا بدّ لعقد زواجهم من حضور كاهن يعيّنه لتلك الغاية. وحول اليهود يقول إنهم يمتلكون ثمانية كُنُس، ويحظون بمعاملة حسنة، ولكنه يشير إلى تعصّب أهل دمشق الذي يفوق تعصّب أهل مصر. لأنّه لا يمكن لأوروبي، بحسب قوله "الظهور في الشوارع بزيّ بلاده دون خطر عليه. فهو مجبر على اتخاذ زيّ أهل الشرق".
تجّار أغنياء
ويصف باديا تكية السلطان سليمان ويقول إن فيها مشفىً للفقراء، لافتاً إلى وجود ما يقارب المئتي تاجر من أبناء المدينة أغناهم تاجر من عائلة الشطّي وآخر من عائلة الشوّا (أو الصوّاف؟)، ويقدّر قيمة رأسمال كل منهما بخمسة ملايين فرنك. ويستطرد معدّداً القوافل التي تخرج من دمشق، ويقول إن أهمّها تلك الذاهبة إلى مكّة المكرمة، تليها قوافل بغداد التي يحرسها أكثرُ من ألفين وخمسمئة مسلّح، تقطع المسافة عادة من بغداد وإليها بثلاثين يوماً. غير أنّ ساعي البريد يقطعها على الهجين باثني عشر يوماً. ويقول إن قوافل حلب التي تقوم عادة مرّتين أو ثلاثاً كلّ شهر، فإنّها تتم رحلتها باثني عشر يوماً، بينما السّاعي ينتهي فيها بثلاثة. وهناك علاوة على ما ذكر عدد من القوافل الصغرى التي تصل يوميّاً من بيروت وطرابلس الشام وعكّا، أو تنطلق إليها وإلى أمكنة أخرى. ويشير إلى أن حاجيات الحياة، وإن تكن وافرة، غير أنّها دوما مرتفعة الثمن. وسبب هذا، بحسب رأيه، وفرة النقود الناتجة من الحركة التجاريّة الكبيرة التي تسود هذه المدينة.